للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأصنامهم وأن يعبدوا الله وحده ربّ حرمهم الآمن بلفظ واضح جامع: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ* إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ «١» .

ولقد نقل النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى قومه ما جاء به القرآن الكريم في وصف القيامة ومشاهدها ووصف الجنة وما فيها من نعيم للمؤمنين والنار وما فيها من عذاب مهين للكافرين، فنجد سورا كاملة تتحدث عن ذلك «٢» . ويعلق شيخ الإسلام ابن تيمية على ذلك بقوله: «وأما وصف القيامة الكبرى في الكتاب والسنة، فكثير جدّا، لأن محمدا صلّى الله عليه وسلّم خاتم الأنبياء وقد بعث بين يدي الساعة فلذلك وصف القيامة بما لم يصفها به غيره» «٣» .

وقد واصل النبي صلّى الله عليه وسلّم عرض دعوته على قومه، وأخذت الآيات البينات تتنزل عليه من ربه تبين لهم أن تلك الأصنام التي يعبدونها من دون الله لا تضر ولا تنفع، وتنذرهم بأن من يعبدها ويموت على ذلك فمصيره إلى النار وبئس القرار.

ولم يكن النبي صلّى الله عليه وسلّم يخاطبهم بلسانهم فحسب، بل كان يخاطبهم بتلاوة كلام الله عليهم، ذلك الكلام العربي المبين الذي يهزهم بفصاحته وبلاغته، وكانت كثير من سور القرآن تبتديء بحروف لها وقع غريب تلفت انتباههم وتشدهم ثم يتلوها كلمات لها معان لم يسمعوا بها قط. يتلوها عليهم، كما نزلت عليه من عند ربّه ليخبرهم برسالته ويعلمهم بحالهم وحاله حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ* وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ* قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ «٤» .

ثم يعود ليؤكد لهم بالأسلوب نفسه والطريقة ذاتها أنه رسول الله إليهم وإلى الناس أجمعين لينذرهم ويوضح لهم جوهر دعوته إلى ربه: الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ* اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ* الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ* وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «٥» .

أصبحت قريش بعد كلّ هذا في حيرة من أمر ابنهم هذا الذي أعجزهم بلغتهم وهم سادة لسان العرب.

وكان أبو طالب في هذه الفترة قد حدب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومنعه وقام دونه، ومضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أمر الله مظهرا لأمره، لا يرده عنه شيء، فلما رأت قريش أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يعتبهم (أي لا يرضيهم) من شيء وأنكروه عليه


(١) القرآن الكريم- سورة قريش، الآيات ١- ٤.
(٢) منها على سبيل المثال لا الحصر سور: ق، الطور، الرحمن، الواقعة، الحاقة، المعارج، المدثر، القيامة، الإنسان، المرسلات، النبأ، النازعات، عبس، الانفطار، الانشقاق ... وغيرها.
(٣) ابن تيمية- الجواب الصحيح، ص/ ٩٩.
(٤) القرآن الكريم- سورة فصلت، الآيات/ ١- ٦.
(٥) القرآن الكريم- سورة إبراهيم، الآيات/ ١- ٤.