للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جارية حديثة السّنّ، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الدّاجن «١» فتأكله ... الحديث إلى أن قالت: فبينا نحن على ذلك، دخل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فسلّم ثمّ جلس. قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل.

وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء. قالت:

فتشهّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين جلس ثمّ قال: «أمّا بعد.

يا عائشة! فإنّه قد بلغني عنك كذا وكذا. فإن كنت بريئة فسيبرّئك الله. وإن كنت ألممت بذنب.

فاستغفري الله وتوبي إليه. فإنّ العبد إذا اعترف بذنب ثمّ تاب، تاب الله عليه» قالت: فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقالته، قلص دمعي «٢» حتّى ما أحسّ منه قطرة.

فقلت لأبي: أجب عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما قال.

فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت لأمّي: أجيبي عنّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت، وأنا جارية حديثة السّنّ، لا أقرأ كثيرا من القرآن: إنّي، والله لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتّى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به، فإن قلت لكم إنّي بريئة، والله يعلم أنّي بريئة، لا تصدّقوني بذلك. ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنّي بريئة، لتصدّقونني. وإنّي، والله! ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ. قالت: ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي. قالت: وأنا، والله! حينئذ أعلم أنّي بريئة. وأنّ الله مبرّئي ببراءتي. ولكن، والله! ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى. ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله- عزّ وجلّ- فيّ بأمر يتلى. ولكنّي كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها. قالت: فو الله ما رام «٣» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتّى أنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم» .. إلى آخر الحديث) * «٤» .

٢٨-* (عن كعب بن مالك- رضي الله عنه- فى حديث توبته وصاحبيه قال: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ. إلّا في غزوة تبوك.

غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر. ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه، إنّما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون يريدون غير قريش. حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم، على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبة. حين تواثقنا على الإسلام «٥» . وما أحبّ أنّ لي بها مشهد بدر. وإن كانت بدر أذكر في النّاس منها. وكان من خبري، حين تخلّفت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك، أنّي لم أكن قطّ أقوى، ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنه في تلك الغزوة. والله ما جمعت قبلها راحلتين قطّ. حتّى جمعتهما في تلك الغزوة.


(١) الداجن: الشاة التي تألف البيت ولا تخرج للمرعى. ومعنى هذا الكلام أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ولا فيها شيء من غيره، إلا نومها عن العجين.
(٢) قلص دمعي: أي ارتفع لاستعظام ما يصيبني من الكلام.
(٣) ما رام: أي ما فارق
(٤) البخاري- الفتح ٧ (٤١٤١) ، ومسلم (٢٧٧٠) واللفظ له.
(٥) تواثقنا على الإسلام: أي تبايعنا عليه وتعاهدنا.