للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبشر. فو الله! لا يخزيك الله أبدا. والله! إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ «١» ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ «٢» . فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى، وهو ابن عمّ خديجة أخي أبيها، وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العربيّ، ويكتب من الإنجيل بالعربيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: أي عمّ! اسمع من ابن أخيك. قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي! ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رآه. فقال له ورقة: هذا النّاموس «٣» الّذي أنزل على موسى صلّى الله عليه وسلّم، يا ليتني فيها جذعا «٤» ، يا ليتني أكون حيّا حين يخرجك قومك. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قطّ بما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا) * «٥» .

٣٢-* (عن بريدة- رضي الله عنه- قال:

كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب، فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما فوضعهما بين يديه، ثمّ قال: «صدق الله ورسوله نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ

(التغابن/ ١٥) . رأيت ولديّ هذين فلم أصبر حتّى نزلت فأخذتهما» ، ثمّ أخذ في خطبته) * «٦» .

٣٣-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يوم الفتح فجعل خالد بن الوليد على المجنّبة اليمنى، وجعل الزّبير على المجنّبة اليسرى، وجعل أبا عبيدة على البياذقة «٧» وبطن الوادي. فقال: «يا أبا هريرة! ادع لي الأنصار» .

فدعوتهم. فجاءوا يهرولون. فقال: «يا معشر الأنصار، هل ترون أوباش «٨» قريش؟» . قالوا: نعم. قال:

«انظروا، إذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا» .

وأخفى بيده ووضع يمينه على شماله. وقال: «موعدكم الصّفا» . قال: فما أشرف يومئذ لهم أحد إلّا أناموه «٩» .

قال: وصعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصّفا، وجاءت الأنصار.

فأطافوا بالصّفا فجاء أبو سفيان، فقال: يا رسول الله! أبيدت خضراء قريش. لا قريش بعد اليوم قال أبو


(١) تحمل الكلّ: أي تنفق على الضعيف واليتيم والعيال.
(٢) وتعين على نوائب الحق: النوائب جمع نائبة وهي الحادثة.
(٣) هذا الناموس: هو جبريل صلّى الله عليه وسلّم. قال أهل اللغة وغريب الحديث: الناموس في اللغة صاحب سر الخير. يقال نمست السر أنمسه أي كتمته.
(٤) يا ليتني فيها جذعا: الضمير يعود إلى أيام النبوة ومدتها، وجذعا: يعني قويّا، حتى أبالغ في نصرك.
(٥) البخاري- الفتح ١ (٣) . ومسلم (١٦٠) واللفظ له.
(٦) الحاكم في المستدرك (١/ ٢٨٧) وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه. والذهبي في التلخيص. ورواه الحاكم من طريق آخر عن بريدة (٤/ ١٨٩) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص.
(٧) البياذقة: هم الرجالة (وهو فارسي معرب) .
(٨) أوباش: جموع من شتى البطون.
(٩) أناموه: أي قتلوه فوقع إلى الأرض.