للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣٤-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب. قال أنس: فلمّا أنزلت هذه الآية لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (آل عمران/ ٩٢) قام أبو طلحة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله! إنّ الله تبارك وتعالى يقول لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) وإنّ أحبّ أموالي إليّ بيرحاء، وإنّها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بخ «١» ، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين» .

فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه) * «٢» .

٣٥-* (عن عياض بن حمار المجاشعيّ- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في خطبته «ألا إنّ ربّي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم ممّا علّمني، يومي هذا كلّ مال نحلته عبدا، حلال «٣» . وإنّي خلقت عبادي حنفاء كلّهم «٤» . وإنّهم أتتهم الشّياطين فاجتالتهم «٥» عن دينهم. وحرّمت عليهم ما أحللت لهم. وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. وإنّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم «٦» ، عربهم وعجمهم، إلّا بقايا من أهل الكتاب «٧» .

وقال: إنّما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك «٨» . وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء «٩» . تقرؤه نائما ويقظان. وإنّ الله أمرني أن أحرّق قريشا. فقلت: ربّ إذا يثلغوا رأسي «١٠» فيدعوه خبزة. قال: استخرجهم


(١) بخ: كلمة تقال عند الرضا والمدح وإذا كررت أفادت التأكيد.
(٢) البخاري- الفتح ٣ (١٤٦١) واللفظ له. ومسلم (٩٩٨) .
(٣) كل مال نحلته عبدا حلال: في الكلام حذف. أي قال الله تعالى: كل مال إلخ.. ومعنى نحلته أعطيته. أي كل مال أعطيته عبدا من عبادي فهو له حلال. والمراد إنكار ما حرموا على أنفسهم من السائبة والوصيلة والبحيرة والحامي وغير ذلك. وأنها لم تصر حراما بتحريمهم. وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق.
(٤) حنفاء كلهم: أي مسلمين، وقيل: طاهرين من المعاصي وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية.
(٥) فاجتالتهم: هكذا هو في نسخ بلادنا: فاجتالتهم. وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين. أي استخفّوهم فذهبوا بهم، وأزالوهم عما كانوا عليه، وجالوا معهم في الباطل. وقال شمر: اجتال الرجل الشيء ذهب به. واجتال أموالهم ساقها وذهب بها.
(٦) فمقتهم: المقت أشد البغض. والمراد بهذا المقت والنظر، ما قبل بعثة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
(٧) إلا بقايا من أهل الكتاب: المراد بهم الباقون على التمسك بدينهم الحق، من غير تبديل.
(٨) إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك: معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى، وغير ذلك. وأبتلي بك من أرسلتك إليهم. فمنهم من يظهر إيمانه ويخلص في طاعته، ومنهم من يتخلف وينابذ بالعداوة والكفر، ومنهم من ينافق.
(٩) كتابا لا يغسله الماء: معناه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على مر الزمان.
(١٠) إذا يثلغوا رأسي: أي يشدخوه ويشجوه كما يشدخ الخبز، أي يكسر.