فقلت لهم: إنّ هذا كان رجل سوء يأمركم بالصّدقة ويرغّبكم فيها، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا، قالوا: وما علمك بذلك؟ قال:
قلت: أنا أدلّكم على كنزه، قالوا: فدلّنا عليه. قال:
فأريتهم موضعه. قال: فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا. قال: فلمّا رأوها، قالوا: والله لا ندفنه أبدا، فصلبوه، ثمّ رجموه بالحجارة، ثمّ جاؤا برجل آخر فجعلوه بمكانه. قال: يقول سلمان: فما رأيت رجلا لا يصلّي الخمس أرى أنّه أفضل منه، أزهد في الدّنيا ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب ليلا ونهارا منه. قال: فأحببته حبّا لم أحبّه من قبله، وأقمت معه زمانا ثمّ حضرته الوفاة؛ فقلت له: يا فلان! إنّي كنت معك وأحببتك حبّا لم أحبّه من قبلك، وقد حضرك ما ترى من أمر الله! فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ! والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه، لقد هلك النّاس وبدّلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلّا رجلا بالموصل، وهو فلان، فهو على ما كنت عليه، فالحق به. قال: فلمّا مات وغيّب، لحقت بصاحب الموصل، فقلت له: يا فلان، إنّ فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك، وأخبرني أنّك على أمره. قال: فقال لي: أقم عندي، فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه فلم يلبث أن مات، فلمّا حضرته الوفاة، قلت له: يا فلان، إنّ فلانا أوصى بي إليك وأمرني باللّحوق بك، وقد حضرك من الله- عزّ وجلّ- ما ترى، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ! والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنّا عليه إلّا رجلا بنصيبين، وهو فلان، فالحق به.
قال: فلمّا مات وغيّب لحقت بصاحب نصيبين فجئته، فأخبرته بخبري وما أمرني به صاحبي، قال:
فأقم عندي، فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه، فأقمت مع خير رجل، فو الله! ما لبث أن نزل به الموت، فلمّا حضر «١» ، قلت له: يا فلان، إنّ فلانا كان أوصى بي إلى فلان، ثمّ أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ! والله ما نعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلّا رجلا بعمّوريّة، فإنّه بمثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأته. قال: فإنّه على أمرنا. قال: فلمّا مات وغيّب لحقت بصاحب عمّوريّة وأخبرته خبري، فقال: أقم عندي، فأقمت مع رجل على هدي أصحابه، وأمرهم. قال:
واكتسبت حتّى كان لي بقرات وغنيمة، قال: ثمّ نزل به أمر الله فلمّا حضر، قلت له: يا فلان، إنّي كنت مع فلان فأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، ثمّ أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟. قال: أي بنيّ! والله ما أعلمه أصبح على ما كنّا عليه أحد من النّاس، آمرك أن تأتيه، ولكنّه قد أظلّك زمان نبيّ هو مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب، مهاجرا إلى أرض بين حرّتين بينهما نخل، به علامات لا تخفى، يأكل الهديّة، ولا يأكل الصّدقة، بين كتفيه خاتم النّبوّة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل. قال: ثمّ مات وغيّب