للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: قلت: يا رسول الله، بأبي وأمّي، ذرني فلأسابق الرّجل، قال: «إن شئت» ، قال: قلت:

اذهب إليك. وثنيت رجلي فطفرت «١» فعدوت. قال:

فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي «٢» ثمّ عدوت في إثره. فربطت عليه شرفا أو شرفين. ثمّ إنّي رفعت حتّى ألحقه «٣» . قال فأصكّه بين كتفيه. قال قلت: قد سبقت. والله! قال: أنا أظنّ «٤» قال:

فسبقته إلى المدينة ... الحديث) * «٥»

١٧-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحسن النّاس وأشجع النّاس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة فخرجوا نحو الصّوت، فاستقبلهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لأبي طلحة عري وفي عنقه السّيف وهو يقول: «لم تراعوا، لم تراعوا» ، ثمّ قال: «وجدناه بحرا «٦» » أو قال: «إنّه لبحر» ) * «٧» .

١٨-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: لم أعقل أبويّ قطّ إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النّهار بكرة وعشيّة. فلمّا ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل الحبشة، حتّى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدّغنة، وهو سيّد القارّة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربّي، قال ابن الدّغنة: إنّ مثلك لا يخرج ولا يخرج، فإنّك تكسب المعدوم، وتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ، وأنا لك جار. فارجع فاعبد ربّك ببلادك. فارتحل ابن الدّغنة، فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفّار قريش فقال لهم: إنّ أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرّحم، ويحمل الكلّ، ويقري الضّيف، ويعين على نوائب الحقّ؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدّغنة، وآمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدّغنة: مر أبا بكر فليعبد ربّه في داره، فليصلّ وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به. فإنّا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا. قال ذلك ابن الدّغنة لأبي بكر. فطفق أبو بكر يعبد ربّه في داره ولا يستعلن بالصّلاة ولا القراءة في غير داره. ثمّ بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، وبرز، فكان يصلّي فيه ويقرأ القرآن، فيتقصّف عليه نساء المشركين «٨» وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكّاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدّغنة فقدم عليهم فقالوا له: إنّا كنّا


(١) فطفرت: أي وثبت وقفزت.
(٢) فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي: معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد. والشرف ما ارتفع من الأرض. وقوله: أستبقي نفسي، أى لئلا يقطعني البهر.
(٣) رفعت حتى ألحقه: أي أسرعت. قوله: حتى ألحقه. حتى، هنا، للتعليل بمعنى كي. وألحق منصوب بأن مضمرة بعدها.
(٤) أظن: أي أظن ذلك. حذف مفعوله للعلم به.
(٥) مسلم (١٨٠٧) .
(٦) وجدناه بحرا: أي وجدنا الفرس كالبحر في عدوه وسرعة جريه.
(٧) البخاري- الفتح ٦ (٢٩٠٨) .
(٨) يتقصّف عليه نساء المشركين: أي يزدحمن.