للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعد أن توسعت الدولة الإسلامية عيّن الرسول صلّى الله عليه وسلّم الولاة على مكة المكرمة والطائف والبحرين وعمان واليمامة كما عيّن عددا من الولاة على مقاطعات بلاد اليمن. وحيث إن مهمة الوالي تتمثل في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فقد كان ولاته صلّى الله عليه وسلّم من فقهاء الصحابة الكبار، فكان من ولاته عتّاب بن أسيد على مكة المكرمة، وعلي بن أبي طالب على نجران، ومعاذ بن جبل على الجند، وأبو موسى الأشعري على زبيد وما والاها، وخالد بن سعيد بن العاص على صنعاء، وعثمان بن أبي العاص على الطائف، وعمرو بن سعيد بن العاص على خيبر، والمهاجر بن أبي أمية على كندة، والعلاء بن الحضرمي على البحرين، وسليط بن سليط على اليمامة، وعمرو بن العاص على عمان.

أما عماله على الصدقات، فقد أرسل أبو هريرة لجمع صدقات البحرين، وأبا عبيدة عامر بن الجراح على صدقات هذيل وكنانة، وعبد الرحمن بن عوف على صدقات كلب، وعباد بن بشر الأشهلي على صدقات سليم ومزينة، والوليد بن عقبة على صدقات بني المصطلق. وكان جمع الصدقات يتم عند تجمع العشائر على المياه في أوائل الربيع، وإلى جانب هؤلاء العمال فقد تولى رؤساء العشائر جمع الصدقات، وكان ذلك يحقق أهدافا إدارية واجتماعية ونفسية، إذ لم يكن دفع الزكاة في البادية من الأمور المستساغة عند الأعراب. ولكن حين يتولى شيخ القبيلة مهام جمعها وتوزيعها فإن ذلك يخفف من الأثر النفسي عليهم، إضافة إلى أن الشيخ يعرف الأغنياء وأصحاب الثروات منهم وكذلك الفقراء. وقد يتولى بعض كبار الصحابة مسئولية جمع الصدقات وتوزيعها حين لا يتوفر في الشيخ القدرة على استيعاب أحكام الزكاة وفقهها.

وقد أشارت المصادر الإسلامية إلى «النقباء» في سياق الحديث عن بيعة العقبة الثانية، حيث اختار النبي صلّى الله عليه وسلّم اثني عشر نقيبا، كانوا كفلاء على قومهم، وهم يمثلونهم أمام النبي صلّى الله عليه وسلّم ويبلّغون تعليماته وتوجيهاته إليهم، ويتولون تنفيذ أوامره بينهم. أما «العرفاء» فقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يختار لكل قبيلة عريفا، وكان كل من قدم المدينة من الأعراب ينزل على عريفه، أما إذا كان من قبيلة ليس لها عريف فإنه ينزل في الصّفة «١» بمسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث يتم قراهم من قبله صلّى الله عليه وسلّم.

واحتاجت الدولة الإسلامية الناشئة إلى عدد كبير من الكتاب، وحيث إن مثل هذا العدد لم يكن متوفرا في باديء الأمر بعد الهجرة مباشرة، فقد سعت حكومة النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى إعداد الكتّاب عن طريق توسيع نطاق التعليم، وقد أثمرت تلك الجهود حيث بلغ عدد كتّاب النبي صلّى الله عليه وسلّم وحدهم قرابة الخمسين، بينهم كتّاب الوحي أمثال: زيد ابن ثابت وأبي بن كعب، وعلي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، وحنظلة بن الربيع، وأبان بن سعيد، وخالد بن سعيد، ومعاوية بن أبي سفيان. ومنهم كتّاب أموال الصدقات أمثال الزبير بن العوام، وجهيم بن الصلت. ومنهم كتاب العقود والعهود والمداينات مثل عبد الله بن الأرقم الزهري، والعلاء بن عقبة «٢» .

وأسندت الولايات والأعمال وقيادة الجيوش إلى كبار الصحابة من ذوي الفقه والخبرة والقوة والأمانة مما عمل على شيوع الأمن والاستقرار وتثبيت الناس على الإسلام خاصة في المدن الرئيسية.


(١) ابن شبّة- تاريخ المدينة ١/ ٢٨٦.
(٢) الخزاعي- تخريج الدلالات السمعية ص/ ١٥٩، ١٧٣.