كتاب نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم

الفرح - من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الفرح) - ج: 7 - ص: 3105

الحبشيّة هذه؟ البحريّة هذه؟ فقالت أسماء: نعم. فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم منكم. فغضبت، وقالت كلمة: كذبت يا عمر! كلّا، والله كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم. وكنّا في دار، أو في أرض البعداء البغضاء «١» في الحبشة وذلك في الله وفي رسوله، وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتّى أذكر ما قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ونحن كنّا نؤذى ونخاف. وسأذكر ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأسأله. ووالله لا أكذب ولا أزيغ، ولا أزيد على ذلك. قال: فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: يا نبيّ الله، إنّ عمر قال كذا وكذا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس بأحقّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السّفينة هجرتان» قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السّفينة يأتوني أرسالا «٢» . يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدّنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم ممّا قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» ) * «٣» .

٢-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- قال: أوّل من قدم علينا مصعب بن عمير، وابن أمّ مكتوم، وكانوا يقرئون النّاس، فقدم بلال وسعد وعمّار ابن ياسر ثمّ قدم عمر بن الخطّاب في عشرين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فما قدم حتّى قرأت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى في سور من المفصّل» ) *» .

٣-* (عن أبي سعيد- رضي الله عنه- قال:

لمّا كان يوم بدر ظهرت الرّوم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين فنزلت الم* غُلِبَتِ الرُّومُ (الروم/ ١- ٢) إلى قوله يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ (الروم/ ٤- ٥) .

قال: ففرح المؤمنون بظهور الرّوم على فارس» ) * «٥» .

٤-* (عن سهل- رضي الله عنه- قال: «كنّا نفرح يوم الجمعة. قلت لسهل: ولم؟ قال: كانت لنا عجوز ترسل إلى بضاعة: نخل بالمدينة «٦» فتأخذ من أصول السّلق «٧» فتطرحه في قدر وتكركر «٨» حبّات من شعير، فإذا صلّينا الجمعة انصرفنا ونسلّم عليها، فتقدّمه إلينا، فنفرح من أجله، وما كنّا نقيل «٩» ولا نتغدّى إلّا بعد الجمعة» ) * «١٠» .

٥-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:

كنت أدعو أمّي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما أكره، فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأنا أبكي. قلت: يا رسول الله. إنّي كنت أدعو أمّي إلى الإسلام فتأبى عليّ، فدعوتها اليوم

---

(١) البعداء البغضاء: البعداء في النسب، البغضاء في الدين لأنهم كفار، إلا النجاشي. وكان يستخفي بإسلامه عن قومه.
(٢) أرسالا: أفواجا.
(٣) البخاري- الفتح ٧ (٣١٣٦) . ومسلم (٢٥٠٣) واللفظ له. ورد هذا الأثر في سياقة حديث والمقصود الاستشهاد بالأثر.
(٤) البخاري- الفتح ٧ (٣٩٢٥) . وقوله: «في سور من المفصل» أي مع سور من المفصل.
(٥) الترمذي (٣١٩٢) . وقال: حسن غريب.
(٦) نخل بالمدينة: تفسير لبضاعة، والمراد بالنخل البستان ولذلك كان يؤتى منها بالسلق.
(٧) السّلق: نبت له ورق طوال وأصل ذاهب في الأرض وورقه رخص يطبخ.
(٨) تكركر: أي تطحن.
(٩) نقيل من القيلولة: نومة نصف النهار، أو استراحة إذا اشتد الحر وإن لم يكن مع ذلك نوم.
(١٠) البخاري- الفتح ١١ (٦٢٤٨) .