للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خائف بالضّرورة، فهو أرجى ما يكون لحبيبه وأحبّ ما يكون إليه، وكذلك خوفه فإنّه يخاف سقوطه من عينه، وطرد محبوبه له إبعاده، واحتجابه عنه. فخوفه أشدّ خوف، ورجاؤه ذاتيّ للمحبّة، فإنّه يرجوه قبل لقائه والوصول إليه. فتأمّل هذا الموضع حقّ التّأمّل يطلعك على أسرار عظيمة من أسرار العبوديّة والمحبّة. فكلّ محبّة فهي مصحوبة بالخوف والرّجاء، وعلى قدر تمكّنها من قلب المحبّ يشتدّ خوفه ورجاؤه» ) * «١» .

١١-* (وقال- رحمه الله-: «المحبّة هي حياة القلوب وغذاء الأرواح، وليس للقلب لذّة، ولا نعيم، ولا فلاح، ولا حياة إلّا بها. وإذا فقدها القلب كان ألمه أعظم من ألم العين إذا فقدت نورها، والأذن إذا فقدت سمعها، والأنف إذا فقد شمّه، واللّسان إذا فقد نطقه، بل فساد القلب إذا خلا من محبّة فاطره وبارئه وإلهه الحقّ أعظم من فساد البدن إذا خلا من الرّوح، وهذا الأمر لا يصدّق به إلّا من فيه حياة» ) * «٢» .

١٢-* (وقال أيضا: «لا ينال رضا المحبوب وقربه والابتهاج والفرح بالدّنوّ منه، والزّلفى لديه، إلّا على جسر من الذّلّة والمسكنة وعلى هذا قام أمر المحبّة فلا سبيل إلى الوصول إلى المحبوب إلّا بذلك» ) * «٣» .

١٣-* (وقال: «المحبّ الصّادق: لا بدّ أن يقارنه أحيانا فرح بمحبوبه، ويشتدّ فرحه به، ويرى مواقع لطفه به، وبرّه به، وإحسانه إليه، وحسن دفاعه عنه، والتّلطّف في إيصاله المنافع والمسارّ والمبارّ إليه بكلّ طريق، ودفع المضارّ والمكاره عنه بكلّ طريق» ) * «٤» .

١٤-* (وقال رحمه الله: «قرّة عين المحبّ ولذّته ونعيم روحه: في طاعة محبوبه، بخلاف المطيع كرها، المتحمّل للخدمة ثقلا: الّذي يرى أنّه لولا ذلّ قهره لما أطاع، فهو يتحمّل طاعته كالمكره الّذي أذلّه مكرهه وقاهره، بخلاف المحبّ الّذي يعدّ طاعة محبوبه قوتا ونعيما، ولذّة وسرورا، فهذا ليس الحامل له ذلّ الإكراه» ) * «٥» .

١٥-* (وقال أيضا- رحمه الله-: «إنّ ما يفعله المحبّ الصّادق، ويأتي به في خدمة محبوبه، هو أسرّ شيء إليه، وألذّه عنده، ولا يرى ذلك تكليفا» ) * «٦» .

١٦-* (وقال- رحمه الله-: «المحبّ الصّادق إن نطق نطق لله وبالله، وإن سكت سكت لله، وإن تحرّك فبأمر الله، وإن سكن فسكونه استعانة على مرضاة الله، فحبّه لله وبالله ومع الله» ) * «٧» .

١٧-* (قال ابن قدامة: «علامة المحبّة، كمال الأنس بمناجاة المحبوب، وكمال التّنعّم بالخلوة، وكمال الاستيحاش من كلّ ما ينقض عليه الخلوة.


(١) مدارج السالكين (٢/ ٤٢، ٤٣) .
(٢) الجواب الكافي (٢٨٢- ٢٨٣) .
(٣) مفتاح دار السعادة (١/ ٢٤) .
(٤) مدارج السالكين (٢/ ٤٢- ٤٣) .
(٥) تهذيب مدارج السالكين (٣٢٨) .
(٦) مدارج السالكين (٣/ ١٦٥) .
(٧) مفتاح دار السعادة (١/ ١٦٠) .