الأحنف بن قيس عن المروءة، فقال: صدق اللّسان ومواساة الإخوان. وأمّا الجار فلدنوّ داره واتّصال مزاره.
وللجار حقّ فاحترز من أذاته ... وما خير جار لم يزل لك مؤذيا
فيجب في حقوق المروءة وشروط الكرم في هؤلاء الثّلاثة تحمّل أثقالهم وإسعافهم في نوائبهم، ولا فسحة لذي مروءة عند ظهور المكنة، أن يكلهم إلى غيره، أو يلجئهم إلى سؤاله، وليكن السّائل عنهم كرم نفسه، فإنّهم عيال كرمه، وأضياف مروءته. أمّا التّبرّع لغير هؤلاء، فإنّه تبرّع بفضل الكرم وفائض المروءة، فمن تكفّل بنوائب هؤلاء فقد زاد على شرط المروءة وتجاوزها إلى شروط الرّياسة.
الثانى: المياسرة وهى أيضا على نوعين:
العفو عن الهفوات.
المسامحة في الحقوق.
فأمّا العفو عن الهفوات، فلأنّه لا مبرّأ من سهو وزلل، ولا سليم من نقص أو خلل، وإذا كان الإغضاء حتما والصّفح كرما، ترتّب ذلك بحسب الهفوة، والهفوات نوعان: صغائر وكبائر، أمّا الصّغائر فمغفورة، والنّفوس بها معذورة، وأمّا الكبائر فنوعان أحدهما: أن يهفو بها خاطيا، ويزلّ بها ساهيا، فالحرج فيها مرفوع، والعتب عليها موضوع، لأنّ هفوة الخاطئ هدر، ولومه هذر.
والثّاني: أن يعتمد ما اجترم من كبائره، ويقصد ما اجترح من سيّئاته، وهو في ذلك إمّا موتور، فالّلائمة على من وتره. وإمّا عدوّ قد استحكمت شحناؤه، وحينئذ فالبعد منه حذرا أسلم، وإمّا أن يكون لئيم الطّبع خبيث النّفس ولا سلامة من مثله إلّا بالصّفح والإعراض، وإمّا أن يكون صديقا قد استحدث نبوة وتغيّرا، أو أخا قد استجدّ جفوة وتنكّرا، فأبدى صفحة عقوقه، واطّرح لازم حقوقه فهذا- ومثله- قد يعرض في المودّات المستقيمة، كما تعرض الأمراض في الأجسام السّليمة، فإن عولجت أقلعت، وإن أهملت أسقمت ثمّ أتلفت.
أمّا المسامحة فنوعان:
المسامحة في العقود، بأن يكون فيها سهل المناجزة، قليل المحاجزة مأمون الغيبة بعيدا من المكر والخديعة، والمسامحة في الحقوق، قال- رحمه الله-:
وأمّا الحقوق فتتنوّع المسامحة فيها نوعين:
أحدهما: في الأحوال، والثّاني في الأموال. فأمّا المسامحة في الأحوال فهي اطّراح المنازعة في الرّتب، وترك المنافسة في التّقدّم، فإنّ مشاحّة النّفوس فيها أعظم، والعناد عليها أكثر، فإن سامح فيها ولم ينافس.
كان مع أخذه بأفضل الأخلاق واستعماله لأحسن الآداب، أوقع في النّفوس من إفضاله برغائب الأموال ثمّ هو أزيد فى رتبته، وأبلغ في تقدّمه.
وأمّا المسامحة في الأموال، فتتنوّع ثلاثة أنواع:
أ- مسامحة إسقاط لعدم.
ب- مسامحة تخفيف لعجز.
ج- مسامحة إنظار لعسرة.
والمسامحة مع اختلاف أسبابها تفضّل مأثور، وتألّف مشكور، وإذا كان الكريم قد يجود بما تحويه