للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتعالى- وسنّة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، فأعجبت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وفرح بها ثمّ أقبل علينا رجلا رجلا يعرضنا على من يعلّمنا وعلّمنا، فمنّا، من علم التّحيّات وأمّ الكتاب والسّورة والسّورتين والسّنن، فأقبل علينا بوجهه فقال: «هل معكم من أزوادكم» . ففرح القوم بذلك، وابتدروا رواحلهم، فأقبل كليب- رجل منهم- معه صرّة من تمر فوضعها على نطع بين يديه وأومأ بجريدة في يده كان يتخصّر بها فوق الذّراع ودون الذّراعين فقال:

تسمّون هذا التّعضوض «١» » قلنا: نعم. ثمّ أومأ إلى صرّة أخرى. فقال: «تسمّون هذا الصّرفان «٢» » . قلنا:

نعم. ثمّ أومأ إلى صرّة أخرى. فقال: «تسمّون هذا البرنيّ «٣» » قلنا: نعم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أما إنّه من خير تمركم وأنفعه لكم» قال: فرجعنا من وفادتنا تلك فأكثرنا الغرز منه وعظمت رغبتنا فيه حتّى صار أعظم نخلنا وتمرنا البرنيّ. قال: فقال الأشجّ: يا رسول الله، إنّ أرضنا أرض ثقيلة وخمة «٤» وإنّا إذا لم نشرب هذه الأشربة هيّجت ألواننا وعظمت بطوننا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا تشربوا في الدّبّاء والحنتم والنّقير «٥» ، وليشرب أحدكم على سقاء يلاث على فيه «٦» » . فقال له الأشجّ: بأبي وأمّي يا رسول الله، رخّص لنا في مثل هذه، وأومأ بكفّيه. فقال: يا أشجّ، إنّي إن رخّصت لك في مثل هذه،. وقال بكفّيه هكذا- شربته في مثل هذه وفرّج بين يديه وبسطهما- يعني أعظم منها حتّى إذا ثمل أحدكم من شرابه قام إلى ابن عمّه فهزر «٧» ساقه بالسّيف» . وكان في القوم رجل من بني عقيل يقال له الحارث قد هزرت ساقه في شراب لهم في بيت من الشّعر تمثّل به في امرأة منهم، فقام بعض أهل ذلك البيت فهزر ساقه بالسّيف، فقال الحارث: لمّا سمعتها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جعلت أسدل ثوبي فأغطّي الضّربة بساقي، وقد أبداها لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم) * «٨» .


(١) التّعضوض نوع من أنواع التمر.
(٢) الصرفان: وهو نوع من أجود أنواع التمر وأوزنه.
(٣) البرني: نوع من التمر.
(٤) أرض وخمة: لا ينجع كلؤها ولا توافق ساكنها.
(٥) الدّباء: القرع ينتبذ فيه، والحنتم: جرار خضر تميل إلى الحمرة كانت تحمل إلى المدينة فيها الخمر، والنقير: أصل النخلة ينقر وسطه ثم ينبذ فيه التمر ويلقى عليه الماء فيصير نبيذا مسكرا.
(٦) أي يشد على فمه برباط.
(٧) هزر: أي ضرب.
(٨) شيء منه عند البخاري ٧ (٤٣٦٨) . وعند مسلم (١٧) . وذكره الهيثمي في المجمع (٨/ ١٧٧، ١٧٨) واللفظ له وقال: رواه أحمد (٤/ ٢٠٧) ورجاله ثقات، وصححت بعض الألفاظ من أحمد، لأن نص المجمع به تصحيف في بعض العبارات.