للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرّاحمين. فيقبض قبضة من النّار «١» فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قطّ. قد عادوا حمما «٢» . فيلقيهم في نهر في أفواه الجنّة «٣» يقال له نهر الحياة. فيخرجون كما تخرج الحبّة في حميل السّيل «٤» . ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشّجر. ما يكون إلى الشّمس أصيفر وأخيضر. وما يكون منها إلى الظّلّ يكون أبيض «٥» ؟» . فقالوا: يا رسول الله كأنّك كنت ترعى بالبادية. قال: «فيخرجون كاللّؤلؤ في رقابهم الخواتم «٦» يعرفهم أهل الجنّة. هؤلاء عتقاء الله «٧» الّذين أدخلهم الله الجنّة بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه. ثمّ يقول: ادخلوا الجنّة، فما رأيتموه، فهو لكم.

فيقولون: ربّنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين.

فيقول: لكم عندي أفضل من هذا. فيقولون: يا ربّنا أيّ شيء أفضل من هذا؟. فيقول: رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا» ) * «٨» .

٥-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:

قال أناس لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل تضارّون في القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا يا رسول الله. قال: «فهل تضارّون في رؤية الشّمس ليس دونها سحاب؟» قالوا:

لا. قال: «فإنّكم ترونه كذلك، يجمع الله النّاس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتّبعه، فيتّبع من كان يعبد الشّمس الشّمس، ومن كان يعبد القمر القمر، ويتّبع من كان يعبد الطّواغيت الطّواغيت وتبقى هذه الأمّة فيها منافقوها، فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته الّتي يعرفون فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتّى يأتينا ربّنا، فإذا جاء ربّنا عرفناه، فيأتيهم الله في صورته الّتي يعرفون، فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: أنت ربّنا فيتّبعونه ... الحديث» ) * «٩» .


(١) فيقبض قبضة من النار: معناه يجمع جمعة.
(٢) قد عادوا حمما: معنى عادوا صاروا. وليس بلازم في عاد أن يصير إلى حالة كان عليها قبل ذلك. بل معناه صاروا. أما الحمم فهو الفحم، واحدته حممة، كحطمة.
(٣) في أفواه الجنة: الأفواه جمع فوهة. وهو جمع سمع من العرب على غير قياس. وأفواه الأزقة والأنهار أوائلها. قال صاحب المطالع: كأن المراد في الحديث مفتتح من مسالك قصور الجنة ومنازلها.
(٤) الحبة في حميل السيل: الحبة، بالكسر، بذور البقول وحب الرياحين. وقيل: هو نبت في الحشيش. وحميل السيل هو ما يجيء به السيل من طين أو غثاء وغيره. فعيل بمعنى مفعول. فإذا اتفقت فيه حبة واستقرت على شط مجرى السيل فإنها تنبت في يوم وليلة. فشبه بها سرعة عود أبدانهم وأجسامهم إليهم بعد إحراق النار لها.
(٥) ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر. وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض: أما يكون في الموضعين الأولين فتامة. ليس لها خبر. معناها ما يقع. وأصيفر وأخيضر مرفوعان. وأما يكون أبيض، فيكون فيه ناقصة، وأبيض منصوب وهو خبرها.
(٦) فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم: الخواتم جمع خاتم، بفتح التاء وكسرها. قال صاحب التحرير: المراد بالخواتم هنا أشياء من ذهب أو غير ذلك تعلق في أعناقهم، علامة يعرفون بها. قال: معناه تشبيه صفائهم وتلألئهم باللؤلؤ.
(٧) هؤلاء عتقاء الله: أي يقولون: هؤلاء عتقاء الله.
(٨) البخاري- الفتح ١٣ (٧٤٣٩) . ومسلم (١٨٣) واللفظ له.
(٩) البخاري- الفتح (٨٠٦) ، ومسلم (٢٩٩) واللفظ له.