للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العارف من أنس بالله فأوحشه من الخلق، وافتقر إلى الله فأغناه عنهم، وذلّ لله فأعزّه فيهم، وتواضع لله فرفعه بينهم، واستغفر بالله فأحوجهم إليه) *.

٢٥-* (وقيل: العارف فوق ما يقول، والعالم دون ما يقول. يعني: أنّ العالم علمه أوسع من حاله وصفته والعارف حاله وصفته فوق كلامه وخبره) * «١» .

٢٦-* (قال الفيروزاباديّ: وعلامة العارف أن يكون قلبه مرآة إذا نظر فيها رأى فيها الغيب الّذي دعا إلى الإيمان به، فعلى قدر جلاء تلك المرآة يتراءى فيها سبحانه والدّار الآخرة والجنّة والنّار والملائكة والرّسل، كما قيل:

إذا سكن الغدير على صفاء ... فيشبه أن يحرّكه النّسيم

بدت فيه السّماء بلا مراء ... كذاك الشّمس تبدو والنّجوم

كذاك قلوب أرباب التجلّي ... يرى في صفوها الله العظيم

ومن علامات المعرفة أن يبدو لك الشّاهد وتفنى الشّواهد، وتنجلي العلائق وتنقطع العوائق، وتجلس بين يدي الرّبّ، وتقوم وتضطجع على التّأهّب للقائه كما يجلس الّذي قد شدّ

أحماله وأزمع السّفر، على تأهّب له، ويقوم على ذلك ويضطجع عليه.

ومن علامات العارف: أنّه يأسف على فائت ولا يفرح بآت ولأنّه ينظر في الأشياء الفناء والزّوال، وأنّها في الحقيقة كالظّلال والخيال. وقال الجنيد: لا يكون العارف عارفا حتّى يكون كالأرض يطؤها البرّ والفاجر، وكالسّحاب يظلّ كلّ شيء، وكالمطر يسقي ما يحبّ وما لا يحبّ) * «٢» .

٢٧-* (وقال يحيى بن معاذ: يخرج العارف من الدّنيا ولم يقض وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه، وثناؤه على ربّه. وهذا من أحسن ما قيل، لأنّه يدلّ على معرفته بنفسه وعلى معرفته بربّه وجماله وجلاله، فهو شديد الإزراء على نفسه، لهج بالثّناء على ربّه) * «٣» .

٢٨-* (وقال أبو يزيد: إنّما نالوا المعرفة بتضييع ما لهم، والوقوف مع ما له. يريد تضييع حظوظهم والوقوف مع حقوق الله تعالى. وقال آخر:

لا يكون العارف عارفا حتّى لو أعطي ملك سليمان لم يشغله عن الله طرفة عين. وهذا يحتاج إلى شرح، فإنّ ما هو دون ذلك يشغل القلب، لكن إذا كان اشتغاله بغير الله لله فذلك اشتغال بالله) * «٤» .

٢٩-* (حكى الفيروزاباديّ عن بعضهم قوله: من عرف الله ضاقت عليه الأرض بسعتها.

وقال غيره: من عرف الله اتّسع عليه كلّ ضيق.


(١) بصائر ذوي التمييز ج ٤ ص ٥٤
(٢) المرجع السابق ج ٤ ص ٥٣
(٣) المرجع السابق ج ٤ ص ٥٤
(٤) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.