للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسلامي، وبالتالي على الأخطار التي تهدد مصالحها «١» . غير أن زعماء قريش كانوا يدركون أن قوة المسلمين قد تنامت كثيرا، وأن قوتهم الذاتية لم تعد وحدها قادرة على تحقيق الهدف المنشود، ولذلك فإنهم سعوا إلى عقد محالفات عديدة من أجل تجميع القوى الحاقدة والقادرة على تحقيق ما يأملون. وقد واتتهم الفرصة حينما اتصل بهم زعماء يهود بني النضير الموتورين من مقر إقامتهم الجديد في خيبر، داعين قريشا إلى حرب المسلمين. وقد وفد منهم إلى مكة سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب من زعماء بني النضير، فتعاقدوا مع قريش على المشاركة في قتال المسلمين، بعد أن شهدوا أنّ الشرك خير من الإسلام وقد نزلت في حقهم الآية الكريمة: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا «٢» ، ثم خرجوا من مكة إلى نجد فحالفوا غطفان على حرب المسلمين، بعد أن وعدوهم بنصف تمر خيبر «٣» . أما قريش فقد نجحت في تجميع حلفائها من بني سليم وكنانة وأهل تهامة والأحابيش «٤» .

تحركت قوات «الأحزاب» نحو المدينة، فنزلت قريش وأحلافها «بمجمع الأسيال» ، بين الجرف وزغابة، ونزلت غطفان ومعها بنو أسد «بذنب نقمي» إلى جانب أحد «٥» . وقد بدأ الرسول صلّى الله عليه وسلّم باستشارة أصحابه فيما ينبغي عمله لمواجهة الخطر الداهم، فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر الخندق شمال المدينة بين حرتي «واقم والوبرة» ، والاعتماد في الجهات الأخرى من المدينة على حصانتها وعلى ما يحيط بها من الحرّات التي يصعب اختراقها «٦» . ولم يعترض أحد على الاقتراح الذي كان يهيء حاجزا يمنع الالتحام المباشر مع قوات الأحزاب، كما يمنعها من اقتحام المدينة «٧» ، وفي الوقت نفسه يوفر للمسلمين فرصة جيّدة للدفاع، ولتكبيد الغزاة الكثير من الخسائر البشرية، وذلك بالتصدي لهم عند محاولة اقتحام الخندق، وبرشقهم بالسهام من وراء التحصينات.

تولى المسلمون مهمة حفر الخندق، ورغم طوله الذي بلغ خمسة آلاف ذراع، بعرض تسعة أذرع وعمق سبعة إلى عشرة أذرع، وبرودة الجو، وقلة التموين التي تسببت في مجاعة أصابت المدينة «٨» ، فقد تم إنجاز الحفر بسرعة مذهلة، لم تتجاوز ستة أيام، وكان لمشاركة الرسول صلّى الله عليه وسلّم الفعلية في مراحل العمل المختلفة أثر كبير في الروح


(١) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٧/ ٣٩٣) من رواية موسى بن عقبة دون إسناد.
(٢) القرآن الكريم- سورة النساء، الآية/ ٥١، واورد الطبري آراء العلماء في سبب نزول الآية، وخلص إلى القول بأن أولى الأقوال بالصحة قول من قال بأن ذلك خبر من الله جل ثناؤه عن جماعة من أهل الكتاب من يهود. وجائز أنهم الذين سماهم ابن عباس، أو أن يكون حييّا وآخر معه إما كعبا وإما غيره (تفسير الطبري ٨/ ٤٦٩- ٤٧١) ، وذكر آخرون أنه كعب بن الأشرف وقد سبقت الإشارة إليه آنفا.
(٣) الواقدي- مغازي ٢/ ٤٤٣، ابن كثير- التفسير ١/ ٥١٣.
(٤) البيهقي- دلائل النبوة ٣/ ٣٩٩، ابن حجر- فتح الباري ٧/ ٣٩٣، ابن هشام- السيرة ٢/ ٢١٩- ٢٢٠.
(٥) وذكر السيوطي أسماء القبائل النجدية التي شاركت في هذا التجمع وهم غطفان وبنو سليم وبنو أسد وفزارة وأشجع وبنو مرة. انظر: الخصائص الكبرى ١/ ٥٦٥.
(٦) ابن حجر- فتح الباري ٧/ ٣٩٣، وانظر: الواقدي- مغازي ٢/ ٤٤٥ بدون إسناد، ابن هشام- السيرة ٢/ ٢٢٤.
(٧) ابن سعد- الطبقات ٢/ ٦٦- ٦٧.
(٨) ابن سعد- الطبقات ٢/ ٦٦- ٦٧، الهيثمي- مجمع الزوائد ٦/ ١٣٠، الطبري- تفسير ٢١/ ٣٣، ابن حجر- فتح الباري ٧/ ٣٩٧.