للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودع عنك العوامّ، فإنّ من ورائكم أيّام الصّبر، الصّبر فيه مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله» وزادني غيره قال:

يا رسول الله، أجر خمسين منهم؟ قال: أجر خمسين منكم» ) * «١» .

١٠-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يسألون عن عبادة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلمّا أخبروا كأنّهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. قال أحدهم: أمّا أنا فأنا أصلّي اللّيل أبدا. وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا.

فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أنتم الّذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنّي أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوّج النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» ) * «٢» .

١١-* (عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنهما- يقول: كان النّاس يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الخير. وكنت أسأله عن الشّرّ، مخافة أن يدركني.

فقلت: يا رسول الله، إنّا كنّا في جاهليّة وشرّ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شرّ؟ قال: «نعم» فقلت: هل بعد ذلك الشّرّ من خير؟ قال: «نعم. وفيه دخن «٣» » قلت: وما دخنه؟ قال: «قوم يستنّون بغير سنّتي، ويهدون بغير هديي «٤» ، تعرف منهم وتنكر» .

فقلت: هل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: «نعم.

دعاة على أبواب جهنّم «٥» من أجابهم إليها قذفوه فيها» فقلت: يا رسول الله، صفهم لنا. قال: «نعم. قوم من جلدتنا. ويتكلّمون بألسنتنا» قلت: يا رسول الله، فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟

قال: «فاعتزل تلك الفرق كلّها، ولو أن تعضّ على أصل شجرة، حتّى يدركك الموت، وأنت على ذلك» ) * «٦» .

١٢-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: خطّ لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطّا ثمّ قال: «هذا سبيل الله» ثمّ خطّ خطوطا عن يمينه وعن شماله ثمّ قال: «هذه سبل متفرّقة، قال: على كلّ سبيل منها شيطان يدعو إليه، ثمّ قرأ وَأَنَّ هذا صِراطِي


(١) أبو داود (٤٣٤١) واللفظ له. والترمذي (٣٠٥٨) وقال: حسن غريب وابن ماجه (٤٠١٤) . وقال ابن كثير في التفسير (٢/ ١٠٩) : ورواه أيضا ابن ماجه وابن جرير وابن أبي حاتم.
(٢) البخاري الفتح ٩ (٥٠٦٣) واللفظ له. مسلم (١٤٠١) .
(٣) دخن: الدخن أصله أن تكون في لون الدابة كدورة إلى سواد. قالوا: والمراد هنا: أن لا تصفو القلوب بعضها لبعض ولا يزول خبثها ولا ترجع إلى ما كانت عليه من الصفاء.
(٤) هديي: الهدي الهيئة والسيرة والطريقة.
(٥) دعاة على أبواب جهنم: قال العلماء: هؤلاء من كان من الأمراء يدعو إلى بدعة أو ضلال آخر. كالخوارج والقرامطة وأصحاب المحنة. وفي حديث حذيفة هذا، لزوم جماعة المسلمين إمامهم، ووجوب طاعته، وإن فسق وعمل المعاصي من أخذ الأموال، وغير ذلك. فتجب طاعته في غير معصية. وفيه معجزات لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهي هذه الأمور التي أخبر بها وقد وقعت كلها.
(٦) البخاري- الفتح ١٣ (٧٠٨٤) ومسلم (١٨٤٧) واللفظ له.