للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وامرأتي، ولي صبية صغار أرعى عليهم، فإذا أرحت عليهم «١» حلبت فبدأت بوالديّ فسقيتهما قبل بنيّ.

وأنّه نأى بي ذات يوم الشّجر «٢» ، فلم آت حتّى أمسيت فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب، فقمت عند رؤوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أسقي الصّبية قبلهما، والصّبية يتضاغون «٣» عند قدميّ. فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتّى طلع الفجر. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة، نرى منها السّماء.

ففرج الله منها فرجة، فرأوا منها السّماء. وقال الآخر:

اللهمّ إنّه كانت لي ابنة عمّ أحببتها كأشدّ ما يحبّ الرّجال النّساء، وطلبت إليها نفسها، فأبت حتّى آتيها بمائة دينار. فتعبت حتّى جمعت مائة دينار، فجئتها بها، فلمّا وقعت بين رجليها «٤» . قالت: يا عبد الله اتّق الله، ولا تفتح الخاتم إلّا بحقّه «٥» فقمت عنها. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة. ففرج لهم. وقال الآخر: اللهمّ إنّي كنت استأجرت أجيرا بفرق أرزّ «٦» . فلمّا قضى عمله قال:

أعطني حقّي. فعرضت عليه فرقه فرغب عنه. فلم أزل أزرعه حتّى جمعت منه بقرا ورعاءها. فجاء ني فقال: اتّق الله ولا تظلمني حقّي. قلت: اذهب إلى تلك البقر ورعائها. فخذها. فقال: اتّق الله ولا تستهزىء بي. فقلت: إنّي لا أستهزىء بك. خذ ذلك البقر ورعاءها. فأخذه فذهب به. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا ما بقي. ففرج الله ما بقي» ) * «٧» .

٣-* (عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنّه قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأيت مثل قرّائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللّقاء. فقال رجل في المسجد: كذبت ولكنّك منافق، لأخبرنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونزل القرآن، فقال عبد الله بن عمر:

وأنا رأيته متعلّقا بحقب ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله إنّما كنّا نخوض ونلعب ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون» ) * «٨» .

٤-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه قال: كان قوم يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، استهزاء، فيقول الرّجل: من أبي؟ ويقول الرّجل تضلّ ناقته:

أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ


(١) فاذا أرحت عليهم: أي إذا رددت الماشية من المرعى إليهم، وإلى موضع مبيتها، وهو مراحها.
(٢) نأى بي ذات يوم الشجر: ومعناه بعد والنأي البعد.
(٣) يتضاغون: أي يصيحون ويستغيثون من الجوع.
(٤) فلما وقعت بين رجليها: أي جلست مجلس الرجل للوقاع.
(٥) لا تفتح الخاتم إلا بحقه: الخاتم كناية عن بكارتها. وقولها بحقه: أي بنكاح، لا بزنى.
(٦) بفرق: بفتح الراء وإسكانها: وهو إناء يسع ثلاثة آصع.
(٧) البخاري- الفتح ١٠ (٥٩٧٤) . ومسلم (٢٧٤٣) واللفظ له.
(٨) ابن جرير (١٠/ ١١٩) ، ابن أبي حاتم (٤/ ٦٤) ، ابن كثير (٢/ ٣٦٨) واللفظ له وقال مخرج فتح المجيد: حسن (٣٨٥) .