للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السّنّ، لا أقرأ كثيرا من القرآن: إنّي، والله لقد عرفت أنّكم قد سمعتم بهذا حتّى استقرّ في نفوسكم وصدّقتم به، فإن قلت لكم إنّي بريئة، والله يعلم أنّي بريئة، لا تصدّقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أنّي بريئة، لتصدّقونني، وإنّي، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلّا كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ. قالت: ثمّ تحوّلت فاضطجعت على فراشي. قالت: وأنا، والله حينئذ أعلم أنّي بريئة، وأنّ الله مبرّئي ببراءتي، ولكن، والله ما كنت أظنّ أن ينزل في شأني وحي يتلى.، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلّم الله- عزّ وجلّ- فيّ بأمر يتلى. ولكنّي كنت أرجو أن يرى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في النّوم رؤيا يبرّئني الله بها. قالت: فو الله ما رام «١» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتّى أنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «٢» عند الوحي. حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان «٣» من العرق، في اليوم الشّات، من ثقل القول الّذي أنزل عليه. قالت: فلمّا سرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال: «أبشري يا عائشة أمّا الله فقد برّأك» فقالت لي أمّي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلّا الله. هو الّذي أنزل براءتي. قالت: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (النور/ ١١) عشر آيات. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات براءتي. قالت: فقال أبو بكر: وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا، بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله- عزّ وجلّ-:

وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (النور/ ٢٢) إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ.

قال حبّان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك:

هذه أرجى آية في كتاب الله. فقال أبو بكر: والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه، وقال: لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأل زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أمري «ما علمت؟ أو ما رأيت؟» فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري. والله ما علمت إلّا خيرا.

قالت عائشة: وهي الّتي كانت تساميني «٤» من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها «٥» فهلكت فيمن هلك) * «٦» .


(١) ما رام: أي ما فارق.
(٢) البرحاء: هي الشدة.
(٣) الجمان: الدر. شبهت قطرات عرقه صلّى الله عليه وسلّم بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن.
(٤) تساميني: تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(٥) وطفقت أختها تحارب لها: أي جعلت تتعصب لها فتحكي ما يقوله أهل الإفك.
(٦) البخاري- الفتح ٧ (٤١٤١) ، مسلم (٢٧٧٠) واللفظ له.