للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

متناقضة متنافية تدفعها العقول، وتنفر منها النّفوس لتباينها وتضادّها لا نظر يقوّيها، ولا جدل يصحّحها، ولا برهان يعضّدها من العقل والحسّ عند أهل التّأمّل فيها، والفحص عنها، ورأيت مع ذلك أمما كثيرة وملوكا عظيمة ذوي معرفة، وحسن سياسة وعقول راجحة قد انقادوا إليها، وتديّنوا بها مع ما ذكرنا من تناقضها في العقل فعلمت أنّهم لم يقبلوها، ولا تديّنوا بها إلّا بدلائل شاهدوها، وآيات ومعجزات عرفوها أوجبت انقيادهم إليها والتّديّن بها) * «١» .

٥-* (يفصّل الشّاطبيّ أنواع المقلّدين فيقول في القسم الثّالث: وهو الّذي قلّد غيره على البراءة الأصليّة، فلا يخلو أن يكون ثمّ من هو أولى بالتّقليد منه، بناء على التّسامع الجاري بين الخلق بالنّسبة إلى الجمّ الغفير إليه من أمور دينهم من عالم وغيره، لكنّه ليس في إقبال الخلق عليه، وتعظيمهم له ما يبلغ تلك الرّتبة: فإن كان هناك منتصبون فتركهم هذا المقلّد وقلّد غيرهم، فهو آثم إذ لم يرجع إلى من أمر بالرّجوع إليه، بل تركه ورضي لنفسه بأخسر الصّفقتين فهو غير معذور، إذ قلّد في دينه من ليس بعارف بالدّين في حكم الظّاهر، فعمل بالبدعة، وهو يظنّ أنّه على الصّراط المستقيم وهذا حال من بعث فيهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإنّهم تركوا دينهم الحقّ، ورجعوا إلى باطل آبائهم، ولم ينظروا نظر المستبصر حتّى لم يفرّقوا بين الطّريقين، وغطّى الهوى على عقولهم دون أن يبصروا الطّريق الصّحيح) * «٢» .

٦-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّه كان يقول: اغد عالما أو متعلّما، ولا تغد إمّعة فيما بين ذلك) * «٣» .

٧-* (عن كميل بن زياد أنّ عليّا- رضي الله عنه- قال: يا كميل: إنّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير، والنّاس ثلاثة: فعالم ربّانيّ، ومتعلّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كلّ ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق إلى أن قال: أفّ لحامل حقّ لا بصيرة له، ينقدح الشّكّ في قلبه بأوّل عارض من شبهة لا يدري أين الحقّ، إن قال أخطأ، وإن أخطأ لم يدر، مشغوف بما لا يدري حقيقته، فهو فتنة لمن فتن به) * «٤» .

٨-* (عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال:

ألا لا يقلّدنّ أحدكم دينه رجلا إن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإنّه لا أسوة في الشّرّ) * «٥» .


(١) الاعتصام للشاطبي (١/ ١٥٨، ١٥٩) .
(٢) المرجع السابق (١/ ١٦٠) بتصرف يسير.
(٣) المرجع السابق (٢/ ٣٥٧) .
(٤) المرجع السابق (٢/ ٣٥٨) .
(٥) الاعتصام (٢/ ٣٥٩) .