يدري ما يصنع، قاله مجاهد. ويؤيّده قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ (ق/ ٣٧) أي عقل. واختار الطّبرانيّ أنّ معنى تلك الإحالة إعلام العباد بأنّه أملك لقلوبهم منهم، وأنّه يحول بينهم وبينها إذا شاء حتّى لا يدرك أحد شيئا إلّا بمشيئته تعالى. ولمّا كان صلّى الله عليه وسلّم يقول:«يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك» قالت عائشة- رضي الله عنها-: يا رسول الله، إنّك تكثر أن تدعو بهذا الدّعاء فهل تخشى؟. قال:«وما يؤمّننا يا عائشة- وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرّحمن- إذا أراد أن يقلّب قلب عبده قلّبه؟» . وقد أثنى تعالى على الرّاسخين في العلم. بقوله: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (آل عمران/ ٨) . في هذه الآية دلالة ظاهرة على أحقّيّة ما ذهب إليه أهل السّنّة من أنّ الزّيغ والهداية بخلق الله وإرادته، بيان ذلك أنّ القلب صالح للمثل إلى الخير والشّرّ، ومحال أن يميل إلى أحدهما بدون داعية، فإن كان داعية الكفر فهو الخذلان والإزاغة والصدّ والختم، وإن كان داعية الإيمان فهو التّوفيق والإرشاد والهداية والتّسديد والتّثبيت والعصمة وغير ذلك من الألفاظ الواردة في القرآن.
وممّا يحذّرك أيضا من أمن المكر استحضارك قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصّحيح:«إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنّة حتّى ما يبقى بينه وبينها إلّا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النّار فيدخلها» . وفي حديث البخاريّ:«إنّ العبد ليعمل بعمل أهل النّار وإنّه من أهل الجنّة، ويعمل الرّجل بعمل أهل الجنّة وإنّه من أهل النّار، وإنّما الأعمال بالخواتيم» . ولا يتّكل على ذلك، فإنّ الصّحابة- رضوان الله عليهم- لمّا قالوا عند سماع ذلك ففيم العمل يا رسول الله أفلا نتّكل على كتاب أعمالنا؟. قال لهم:«بل اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له» ثمّ قرأ: