للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ «١» .

انهارت قوى الشرك، وفرت من ميدان المعركة بشكل غير منظم مخلفة وراءها أعدادا كثيرة من القتلى وكمية كبيرة من الغنائم، كما خلفت شراذم من قواتها تمكن المسلمون من القضاء عليهم بسهولة، وأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بتعقب المشركين المهزومين وقتلهم حتى يمنع إمكانية تجمعهم ثانية واحتمال عودتهم إلى القتال فكانت خسائر المشركين في القتلى خلال هزيمتهم أعظم من خسارتهم خلال المعركة. وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن قتل النساء والأجراء وكل من لا يحمل السلاح، كما نهى عن قتل الأولاد والذرارى حين بلغه أن بعضهم قد قتل خلال المعركة، وقال له أحد المسلمين: «إنما هم أولاد المشركين» ، فأجاب النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أو هل خياركم إلّا أولاد المشركين؟، والّذي نفس محمّد بيده ما من نسمة تولد إلّا على الفطرة حتّى يعرب عنها لسانها» «٢» .

وكان سبي حنين كثيرا، فقد بلغ ستة آلاف من النساء والأبناء «٣» ، أما الغنائم فقد بلغت أربعة آلاف أوقية فضة «٤» ، أما الإبل فكانت أربعة وعشرين ألفا»

، أما الأغنام فكانت أكثر من أربعين ألف شاة «٦» ، وقد حبس الرسول صلّى الله عليه وسلّم هذا السبي والغنائم بالجعرانة ليتصرف فيها بعد الفراغ من أمر الطائف «٧» .

لم تكن خسائر المسلمين كبيرة خلافا للتوقعات من خلال المعلومات العامة عن إصابات المسلمين في الجولة الأولى وفرار الكثير منهم، بل إنها كانت طفيفة جدا إذا ما أدخلنا قوة المشركين واستعداداتهم وخططهم في الاعتبار وذلك من فضل الله وحفظه ورحمته بالمسلمين، فقد استشهد منهم أربعة شهداء «٨» ، وجرح عدد منهم، أشارت المصادر من بينهم إلى أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الله بن أبي أوفى وخالد بن الوليد «٩» ، ومما يؤكد صحة هذه الأرقام بالإضافة إلى ورودها في مرويات صحيحة، قيام المسلمين بعد الجولة الثانية بمطاردة المشركين إلى مسافات بعيدة، كما أنهم توجهوا إلى حصار الطائف بعد انتهاء معركة حنين مباشرة.

تفرق من نجا من مقاتلة المشركين في الجبال والوديان بعد هزيمتهم في معركة حنين، ولجأت مجموعة كبيرة


(١) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآيات/ ٢٦- ٢٧.
(٢) أحمد- المسند ٣/ ٤٣٥.
(٣) الصنعاني- المصنف ٥/ ٣٨١، ابن سعد- الطبقات ٢/ ١٥٥ من رواية الزهري عن ابن المسيب مرسلا، الطبري- تاريخ ٣/ ٨٢، الذهبي- المغازي ص/ ٦٠٦.
(٤) ابن سعد- الطبقات ٢/ ١٥٢.
(٥) المرجع السابق ٢/ ١٥٢ وكان معهم خيل وأبقار وحمير وبغال غير أن المصادر لم تذكر عددها.
(٦) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(٧) أخرجه البزار كما في كشف الأستار للهيثمي ٢/ ٣٥٣، قال الحافظ ابن حجر: «إسناده حسن» ، انظر، الإصابة ١/ ١٤٥.
(٨) هم: أبو عامر الأسلمي، وأيمن بن عبيد، ويزيد بن زمعة بن الأسود، وسراقة بن الحارث، انظر: البخاري- الصحيح ٥/ ١٢٦، الحميدي- المسند ٢/ ٣٩٨، الهيثمي- كشف الأستار ٢/ ٣٤٦، وحسن إسناده الحافظ ابن حجر، فتح الباري ٨/ ٤٢.
(٩) البخاري- الصحيح ٥/ ١٢٦ (حديث ٤٣١٤) ، الهيثمي- كشف الأستار ٢/ ٣٤٦، البزار- مختصر الزوائد ص/ ٤٩- ٥٠ (رقم ٨١٦) ، الحميدي- المسند ٢/ ٣٩٨ بإسناد صحيح.