للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصل الجيش الإسلامي إلى الطائف في حدود نهاية الأسبوع الثالث من شهر شوال، فباشروا إحكام الحصار حول حصون العدو مدة أسبوعين، وكان نزولهم أول الأمر قريبا من حصون العدو وعلى مرمى سهامهم مما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء وجرح عدد آخر منهم، ثم تحول المسلمون وعسكروا في الموضع الذي بنى فيه المسجد «١» ، وكان القتال تراشقا بالسهام في أول الأمر، ثم استخدم المسلمون «الدبابة» بهدف الوصول إلى الأسوار وثقبها آمنين من السهام، ولكن ثقيفا فطنت للأمر فألقت عليهم قطع حديد محمّاة أحرقت الدبابة وحين خرج المقاتلون المسلمون منها، ضربوهم بالسهام فقتلوا بعضهم.. واستخدم المسلمون المنجنيق لرمي التحصينات بالحجارة بهدف هدمها وإيقاع إصابات في قوات العدو في الوقت نفسه، غير أن قلة هذه الآلات وعدم وجود خبراء في استعمالها وإجادة التهديف بها جعل أثرها محدودا. «٢» ولذلك فقد وجد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن أفضل وسيلة للضغط على ثقيف هي في تهديد مواردها الاقتصادية الحيوية المتمثلة في بساتينها، فأمر صلّى الله عليه وسلّم بتحريق بساتين الأعناب والنخيل في ضواحي الطائف، مما كان له أثره الكبير في كسر معنوياتهم، فناشدوا النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يدعها لله وللرحم، فاستجاب لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد أن تحقق الهدف المنشود «٣» .

ونادى منادي النبي صلّى الله عليه وسلّم عبيد الطائف قائلا: أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر» ، فنزل إليهم ثلاثة وعشرون عبدا، منهم أبو بكرة نفيع بن الحارث الثقفي، فأسلموا، فأعتقهم النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولم يعدهم إلى ثقيف بعد إسلامهم «٤» . غير أن كل ذلك لم يؤثر كثيرا في عناد ثقيف التي صمدت بوجه الحصار، ورغم ما واجهته من وابل السهام التي أمطرها بها المسلمون لينالوا بها درجة من الجنة وعدهم بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد تمكنت ثقيف من إيقاع إصابات شديدة بالمسلمين فقد كثرت الجراحات بينهم واستشهد منهم اثنا عشر شهيدا، وكل ذلك مقابل ثلاثة قتلى في صفوف ثقيف التي كانت ممتنعة بالحصون والأسوار العالية «٥» .

أورد الإمام البخاري رواية صحيحة تدل على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يستهدف من غزو الطائف وحصارها تحقيق فتحها، وإنما أراد أن يكسر شوكة ثقيف، ويجعل للمسلمين اليد العليا عليهم في وصولهم إليها ومحاصرتها في عقر دارها حيث عرفها أن بلادها- الطائف- هي في قبضة المسلمين وأنهم سيدخلونها متى شاءوا ذلك، «٦» ويظهر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يرغب في أن يشق على المسلمين ويكثر من تقديم الشهداء منهم لفتح بلدة صغيرة حصينة تحيط بها ديار الإسلام من كل صوب، إذ لم يكن لثقيف رغم عنادها وصمودها إلا الإسلام أو الاستسلام،


(١) مسلم- الصحيح ٢/ ٧٣٦، أحمد- المسند ٣/ ١٥٧، وانظر رأي الحافظ ابن كثير- البداية والنهاية ٤/ ٣٥٦، ابن هشام- السيرة ٢/ ٤٧٨.
(٢) ابن هشام- السيرة ٢/ ٤٧٨- ٤٨٣ برواية ابن إسحاق.
(٣) البيهقي- السنن الكبرى ٩/ ٨٤، الشافعي- كتاب الأم ٧/ ٣٢٣.
(٤) البخاري- الصحيح ٥/ ١٢٩، أحمد- المسند ١/ ٢٣٦، ابن حجر- فتح الباري ٨/ ٤٦، الصنعاني- المصنّف ٥/ ٣٠١، ابن سعد- الطبقات ٢/ ١٥٨- ١٥٩، وانظر ابن هشام- السيرة ٢/ ٤٨٥.
(٥) البخاري- الصحيح ٨/ ٢٠، ابن هشام- السيرة ٢/ ٤٨٦- ٤٨٧، الواقدي- المغازي ٣/ ٩٢٩- ٣٠.
(٦) البخاري- الصحيح ٥/ ١٢٨، ٩/ ١١٣.