للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النبي صلّى الله عليه وسلّم الحكمة من التوزيع، وأنه إنما وكلهم إلى إيمانهم «١» ، وأورد ابن إسحاق رواية نص فيها على التحديث عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدري، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جمع الأنصار ثم أتاهم، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال:

«يا معشر الأنصار، مقالة بلغتني عنكم، وجدة عليّ في أنفسكم، ألم آتكم ضلّالا فهداكم الله، وعالة فأغناكم الله وأعداء فألّف الله بين قلوبكم! قالوا: بلى، الله ورسوله أمنّ وأفضل..» ثم قال صلّى الله عليه وسلّم:

«أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدّنيا تألّفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب النّاس بالشّاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ فو الّذي نفس محمّد بيده، لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ولو سلك النّاس شعبا وسلكت الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار، اللهمّ ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار» «٢» ، قال فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا رضينا برسول الله قسما وحظا، ثم انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتفرقوا «٣» ، وهكذا فلم يكن يهمهم المال، ولذلك فإنهم ما إن عرفوا سبب منع الأعطيات عنهم ووضحت لهم الحكمة في توزيعه صلّى الله عليه وسلّم للغنائم حتى أعلنوا رضاهم، وأسعدهم كثيرا اعتماد النبي صلّى الله عليه وسلّم على إخلاصهم لعقيدتهم، وأنه وكلهم إلى إيمانهم فكانوا عند حسن الظن بهم.

وتحدثت المصادر عن نماذج من جفاء وغلظة الأعراب وتصرفاتهم الصلفة وغير المنضبطة مع النبي صلّى الله عليه وسلّم أثناء توزيعه الغنائم، كما تحدثت عن قوة تحمله صلّى الله عليه وسلّم وصبره الكبير على جفاء الأعراب وطمعهم في الأموال وحرصهم على المكاسب، وإدراكه لأحوالهم وما جبلوا عليه من قساوة وفظاظة وأنانية، وقد طمأنهم على مصالحهم وعاملهم على قدر عقولهم وكان بهم رحيما ولهم مربيا ومصلحا «٤» .

وبعد قسمة الغنائم قدم وفد من هوازن يعلن إسلامهم ويلتمس من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رد أموالهم وذراريهم عليهم، فخيرهم بين الأموال والسبي فاختاروا السبي، فجمع النبي صلّى الله عليه وسلّم المسلمين وخطب فيهم، وقال إنه يريد أن يرد السبي لهوازن «فمن أحبّ منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحبّ أن يكون على حظّه حتّى نعطيه إيّاه من أوّل ما يفيء الله علينا فليفعل» ، ورغم أن المسلمين نادوا: «طيبنا يا رسول الله لهم» ، فإنه صلّى الله عليه وسلّم قال لهم:

«إنّا لا ندري من أذن منكم فيه ممّن لم يأذن، فارجعوا حتّى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم» ، فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأخبروه أنهم طيبوا وأذنوا» «٥» .

ولقد كان إسلام هوازن نصرا آخر كتبه الله للمسلمين سرّ به النبي صلّى الله عليه وسلّم فسألهم عن زعيمهم مالك بن


(١) البخاري- الصحيح ٤/ ٧٤، ١٤٥، ٥/ ٢٦، ٢٨، ١٣٠، ٧/ ١٣٣، ٨/ ١٣٠، ٩/ ١٠٦ (الأحاديث ٤٣٣١، ٤٣٣٢، ٤٤٣٣، ٤٣٣٤، ٤٣٣٧، مسلم- الصحيح ٢/ ٧٣٣- ٧٣٦ (حديث ١٠٥٩) .
(٢) ابن هشام- السيرة ٣/ ٤٩٨- ٤٩٩.
(٣) المرجع السابق ٣/ ٥٠٠.
(٤) القرآن الكريم- الآيات/ ٩٧- ٩٨.
(٥) البخاري- الصحيح ٣/ ٨٧، ١٥٦.