والنّور الّذي أنزله معهم ليخرجوا به النّاس من الظّلمات إلى النّور، فإنّ المعرض عمّا بعث الله تعالى به محمّدا صلّى الله عليه وسلّم من الهدى ودين الحقّ يتقلّب في خمس ظلمات: قوله ظلمة، وعمله ظلمة، ومدخله ظلمة، ومخرجه ظلمة، ومصيره إلى الظّلمة، وقلبه مظلم، ووجهه مظلم، وكلامه مظلم، وحاله مظلم؛ وإذا قابلت بصيرته الخفّاشيّة ما بعث الله به محمّدا صلّى الله عليه وسلّم من النّور جدّ في الهرب منه، وكاد نوره يخطف بصره، فهرب إلى ظلمات الآراء الّتي هي به أنسب وأولى كما قيل:
خفافيش أعشاها النّهار بضوئه ... ووافقها قطع من اللّيل مظلم
فإذا جاء إلى زبالة الأفكار ونخالة الأذهان، جال ومال، وأبدى وأعاد، وقعقع وفرقع، فإذا طلع نور الوحي وشمس الرّسالة انحجز في حجرة الحشرات «١» .