للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيها جذعا، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» قال: نعم، لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزّرا. ثمّ لم ينشب ورقة أن توفّي، وفتر الوحي) * «١» .

١١-* (عن سلمة بن الأكوع ... الحديث وفيه: قال: ثمّ خرجنا راجعين إلى المدينة فنزلنا منزلا.

بيننا وبين بني لحيان جبل. وهم المشركون «٢» . فاستغفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمن رقي هذا الجبل الليلة. كأنّه طليعة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. قال سلمة: فرقيت تلك الليلة مرّتين أو ثلاثا. ثمّ قدمنا المدينة. فبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بظهره «٣» مع رباح غلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا معه.

وخرجت معه بفرس طلحة أندّيه «٤» مع الظهر. فلمّا أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاريّ قد أغار على ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فاستاقه أجمع. وقتل راعيه. قال:

فقلت: يا رباح خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله. وأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ المشركين قد أغاروا على سرحه. قال: ثمّ قمت على أكمة فاستقبلت المدينة.

فناديت ثلاثا: يا صباحاه! ثمّ خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل. وأرتجز أقول:

أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضّع

فألحق رجلا منهم. فأصكّ سهما في رحله «٥» . حتّى خلص نصل السهم إلى كتفه. قال قلت: خذها:

وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضّع

قال: فو الله ما زلت أرميهم وأعقر بهم «٦» ، فإذا رجع إليّ فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها، ثمّ رميته، فعقرت به، حتّى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه «٧» ، علوت الجبل. فجعلت أردّيهم بالحجارة «٨» . قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتّى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «٩» إلّا


(١) البخاري- الفتح ١ (٣) واللفظ له، مسلم (١٦٠)
(٢) وهم المشركون: هذه اللفظة ضبطوها بوجهين. أحدهما: وهم المشركون على الابتداء والخبر. والثاني وهمّ المشركون، أي هموا النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وخافوا غائلتهم. يقال: همّني الأمر وأهمّني. وقيل: همني أذابني وأهمني أغمني. وقيل: معناه همّ أمر المشركين النبي صلّى الله عليه وسلّم خوف أن يبيتوهم لقربهم منهم.
(٣) بظهره: الظهر الإبل تعد للركوب وحمل الأثقال.
(٤) أنديه: معناه أن يورد الماشية الماء فتسقي قليلا ثم ترسل في المرعى، ثم ترد الماء فترد قليلا ثم ترد إلى المرعى.
(٥) فأصك سهما في رحله: أي أضرب.
(٦) أرميهم وأعقر بهم: أي أرميهم بالنبل وأعقر خيلهم. وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف. ثم اتسع حتى استعمل في القتل كما وقع هنا. وحتى صار يقال: عقرت البعير أي نحرته.
(٧) حتى إذا تضايق الجبل فدخلوا في تضايقه: التضايق ضد الاتساع. أي تدانى فدخلوا في تضايقه. أي المحل المتضايق منه بحيث استتروا به عنه، فصار لا يبلغهم ما يرميهم به من السهام.
(٨) فجعلت أرديهم بالحجارة: يعني لما امتنع علي رميهم بالسهام عدلت عن ذلك إلى رميهم من أعلى الجبل بالحجارة التي تسقطهم وتهورهم. يقال: ردّى الفرس راكبه اذا أسقطه وهوّره.
(٩) حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من، هنا، زائدة. أتى بها لتأكيد العموم. وانما سميت زائدة لأن الكلام يستقيم بدونها فيصح أن يقال: ما خلق الله بعيرا. ومن، في قوله: من ظهر، بيانية. والمعنى أنه ما زال بهم الى أن استخلص منهم كل بعير أخذوه من ابل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.