للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: ناس من أصحابك. قال: «كذب من قال ذلك «١» بل له أجره مرّتين» . ثمّ أرسلني إلى عليّ، وهو أرمد. فقال: «لأعطيّن الراية رجلا يحبّ الله ورسوله، أو يحبّه الله ورسوله» قال: فأتيت عليّا فجئت به أقوده، وهو أرمد «٢» . حتّى أتيت به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فبسق «٣» في عينيه فبرأ. وأعطاه الراية. وخرج مرحب فقال:

قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرّب

إذا الحروب أقبلت تلهّب

فقال عليّ:

أنا الّذي سمّتني أمّي حيدره «٤» ... كليث غابات «٥» كريه المنظره

أو فيهم بالصّاع كيل السندره

«٦» قال: فضرب رأس مرحب فقتله. ثمّ كان الفتح على يديه) * «٧» .

١٢-* (عن الزهريّ قال: كان محمّد بن جبير ابن مطعم يحدّث أنّه: بلغ معاوية وهم عنده في وفد من قريش أن عبد الله بن عمرو يحدّث أنّه سيكون ملك من قحطان، فغضب، فقام فأثنى على الله بما هو أهله ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّه بلغني أنّ رجالا منكم يحدّثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأولئك جهّالكم، فإيّاكم والأمانيّ الّتي تضلّ أهلها، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:

«إنّ هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلّا كبّه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين» ) * «٨» .

١٣-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه قال: «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهليّة «٩» . ومن قاتل تحت راية عمّيّة «١٠» ، يغضب لعصبة «١١» ، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتله «١٢» جاهليّة.


(١) كذب من قال: كذب، هنا بمعنى أخطأ.
(٢) وهو أرمد: قال أهل اللغة: يقال رمد الانسان يرمد رمدا فهو رمد وأرمد. إذا هاجت عينه.
(٣) بسق: هكذا في الأصل وهي صحيحة لأنه يقال: بسق وبصق وبزق بمعنى واحد.
(٤) أنا الذي سمتني أمي حيدرة: حيدرة اسم للأسد. وكان علي رضي الله عنه قد سمي أسدا في أول ولادته. وكان مرحب قد رأى في المنام أن أسدا يقتله. فذكره علي رضي الله عنه بذلك ليخيفه ويضعف نفسه. وسمي الأسد حيدرة لغلظه. والحادر الغليظ القوي. ومراده: أنا الأسد في جراءته وإقدامه وقوته.
(٥) غابات: جمع غابة. وهي الشجر الملتف. وتطلق على عرين الأسد أي مأواه. كما يطلق العرين على الغابة أيضا. ولعل ذلك لاتخاذه اياه داخل الغاب غالبا.
(٦) أو فيهم بالصاع كيل السندرة: معناه أقتل الأعداء قتلا واسعا ذريعا. والسندرة مكيال واسع. وقيل: هي العجلة. أي أقتلهم عاجلا. وقيل: مأخوذ من السندرة: وهي شجرة الصنوبر يعمل منها النبل والقسي.
(٧) مسلم (١٨٠٧) .
(٨) البخاري- الفتح ١٣ (٧١٣٩) .
(٩) ميتة جاهلية: أي على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم.
(١٠) عمية: هي بضم العين وكسرها. لغتان مشهورتان. والميم مكسورة مشددة والياء مشددة أيضا. قالوا: هي الأمر الأعمى لا يستبين وجهه. كذا قاله أحمد بن حنبل والجمهور. قال اسحاق بن راهويه: هذا كتقاتل القوم للعصبية.
(١١) لعصبة: عصبة الرجل أقاربه من جهة الأب. سموا بذلك لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم أي يحيطون به ويشتد بهم. والمعنى يغضب ويقاتل ويدعو غيره كذلك. لا لنصرة الدين والحق بل لمحض التعصب لقومه ولهواه. كما يقاتل أهل الجاهلية، فإنهم إنما كانوا يقاتلون لمحض العصبية.
(١٢) فقتلة: خبر لمبتدأ محذوف. أي فقتلته كقتلة أهل الجاهلية.