للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مذمّة، وصرفها عن لائمة هو أظهر حزما، وأقوى عزما، ممّن كفته النّفس جهادها، وأعطته قيادها «١» .

قال ابن القيّم- رحمه الله-: «ويندفع شرّ الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب:

السبب الأوّل: التعوّذ بالله من شرّه، والتحصّن به واللجوء إليه.

السبب الثاني: تقوى الله، وحفظه عند أمره ونهيه. فمن اتّقى الله تولّى الله حفظه، ولم يكله إلى غيره.

السبب الثالث: الصبر على عدوّه، وأن لا يقاتله ولا يشكوه، ولا يحدّث نفسه بأذاه أصلا. فما نصر على حاسده وعدوّه بمثل الصبر عليه.

السبب الرابع: التوكّل على الله. فمن توكّل على الله فهو حسبه، والتوكّل من أقوى الأسباب الّتي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم. وهو من أقوى الأسباب في ذلك، فإنّ الله حسبه، أي كافيه. ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوّه.

السبب الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلّما خطر له. فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه. وهذا من أنفع الأدوية، وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شرّه.

السبب السادس: وهو الإقبال على الله، والإخلاص له وجعل محبّته ورضاه والإنابة إليه في محلّ خواطر نفسه وأمانيّها تدبّ فيها دبيب تلك الخواطر شيئا حتّى يقهرها ويغمرها ويذيبها بالكلّيّة. فتبقى خواطره وهواجسه وأمانيّه كلّها في محابّ الربّ، والتقرّب إليه.

السبب السابع: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب الّتي سلّطت عليه أعداءه. فإنّ الله تعالى يقول:

وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (الشورى/ ٣٠) .

السبب الثامن: الصدقة والإحسان ما أمكنه، فإنّ لذلك تأثيرا عجيبا في دفع البلاء، ودفع العين، وشرّ الحاسد ولو لم يكن في هذا إلّا بتجارب الأمم قديما وحديثا لكفي به. فما حرس العبد نعمة الله عليه بمثل شكرها ولا عرّضها للزّوال بمثل العمل فيها بمعاصي الله. وهو كفران النعمة. وهو باب إلى كفران المنعم.

السبب التاسع: وهو من أصعب الأسباب على النفس، وأشقّها عليها، ولا يوفّق له إلّا من عظم حظّه من الله، وهو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكلّما ازداد أذى وشرّا وبغيا وحسدا ازددت إليه إحسانا، وله نصيحة، وعليه شفقة. وما أظنّك تصدّق بأنّ هذا يكون فضلا عن أن تتعاطاه، فاستمع الآن إلى قوله- عزّ وجلّ-: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ


(١) أدب الدنيا والدين للماوردي (٢٦٢- ٢٦٤) ، (١٧٦) وما بعدها (ط. بولاق) .