للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت: أن لا. فقد أعرف أنّه لم يكن ليذر الكذب على النّاس ويكذب على الله. وسألتك: أشراف النّاس اتّبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أنّ ضعفاءهم اتّبعوه، وهم أتباع الرّسل. وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت: أنّهم يزيدون. وكذلك أمر الإيمان حتّى يتمّ. وسألتك: أيرتدّ أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت: أن لا.

وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك:

هل يغدر؟ فذكرت: أن لا. وكذلك الرّسل لا تغدر.

وسألتك: بما يأمركم؟ «١» فذكرت أنّه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصّلاة والصّدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقّا فسيملك موضع قدميّ هاتين. وقد كنت أعلم أنّه خارج ولم أكن أظنّ أنّه منكم. فلو أنّي أعلم أنّي أخلص إليه لتجشّمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه) * «٢» .

٣-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: إنّ ناسا من عرينة «٣» قدموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة فاجتووها «٤» فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصّدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها» ففعلوا فصحّوا. ثمّ مالوا على الرّعاة فقتلوهم، وارتدّوا عن الإسلام، وساقوا ذود «٥» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فبعث في أثرهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم «٦» ، وتركهم في الحرّة «٧» حتّى ماتوا) * «٨» .

٤-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنا والزّبير والمقداد، قال:

«انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخ فإنّ بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها» فذهبنا تعادى «٩» بنا خيلنا حتّى أتينا الرّوضة فإذا نحن بالظّعينة. فقلنا: أخرجي الكتاب فقالت: ما معي من كتاب. فقلنا: لتخرجنّ الكتاب أو لتلقينّ الثّياب. فأخرجته من عقاصها «١٠» ، فأتينا به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين ممّن بمكّة يخبرهم ببعض أمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما هذا يا حاطب؟» قال: لا تعجل عليّ يا رسول الله، إنّي كنت امرأ من قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكّة، فأحببت إذ فاتني من النّسب فيهم أن أصطنع إليهم يدا يحمون قرابتي، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّه قد صدقكم» فقال عمر: دعني يا رسول الله فأضرب عنقه. فقال:

«إنّه شهد بدرا، وما يدريك لعلّ الله- عزّ وجلّ- اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت


(١) هكذا ورد في صحيح البخاري (بما) والمعروف أن ما الاستفهامية تحذف ألفها إذا دخل عليها حرف جر. إثبات الألف في «ما» الاستفهامية المجرورة جائز على لغة بعض العرب. انظر شرح الشافية (٢/ ٢٩٧) ، وخزانة الأدب (٢/ ٥٣٨) .
(٢) البخاري- الفتح ١ (٧) واللفظ له. ومسلم (١٧٧٣) .
(٣) عرينة: فرع من قبيلة تسمى بجيلة.
(٤) اجتووها: لم توافقهم وكرهوها لسقم أصابهم.
(٥) ذود: الذود من الإبل من ثلاثة إلى عشرة وقيل إلى ثلاثين.
(٦) سمل أعينهم: فقأها وأذهب ما فيها.
(٧) الحرة: أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة.
(٨) البخاري- الفتح ١٢ (٦٨٠٢) . ومسلم (١٦٧١) واللفظ له.
(٩) تعادى: أصلها تتعادى أي تتسابق.
(١٠) عقاصها: ضفائر شعرها جمع عقصة بمعنى ضفيرة.