للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشتكى رأسه اشتكى كله وشبهوا بالبنيان يشد بعضه بعضا، وكان من آثار ذلك قضاء حوائجهم وتفريج كرباتهم، وكل ما فيه جلب الراحة والطمأنينة لهم، مع الحرص على إزالة الوهن، والتقاطع الذي يحصل بينهم لتصفو القلوب وتحصل لهم راحة النفس في هذه الحياة، وحث على بر من له زيادة حق لقرابة أو جوار فأمر ببر الوالدين وصلة الأرحام وحسن الجوار وصدق المؤاخاة والشفقة على الأولاد وما يتبع هذا البر والإحسان من نفقة ومواساة وإيثار وطاعة وخدمة بقدر المستطاع، كما حذر أشد التحذير من الإساءة إلى الوالدين وعصيانهما، وقطيعة الرحم، بل أخبر بأن من وصل الرحم وصله الله ومن قطعها قطعه الله، كما أمر الإنسان بالصبر على ما يناله من جفوة أقاربه وإساءتهم، وأخبر بأن حق الأبوين لا يسقط ببقائهما على الكفر، فأمر بصحبتهما بالمعروف، ولكنه نهى عن التنزل على رغبتهما في الرجوع إلى الشرك فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وجعل العقوق في المرتبة التي تلي الشرك بالله وألحق به من يتسبب في جلب الشتم والمسبة لأبويه، وأخبر بأن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم، وحذر من التهاجر بين المسلمين لأجل الحظوظ الدنيوية، لما ينتج عنه من تفرق الكلمة واختلال الأمن وفقدان الثقة بين المسلمين.

ولما كان هناك غالبا أفراد في المجتمع يستحقون زيادة عطف وإحسان لأسباب خاصة. فقد جاءت الشريعة الإسلامية بالحث على برهم ورحمتهم والشفقة عليهم، وحثّهم أنفسهم على الرضا والاستسلام بما قدره الله لهم، وما أصابهم من نقص وعاهة كما ورد في الحديث «إن أهل الجنة كل ضعيف متضعف» «١» وأن عامة من دخل الجنة هم المساكين وقال «٢» صلّى الله عليه وسلّم: «ربّ أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره» «٣» وحث على كفالة اليتيم ورعايته والرفق به وعلى مراعاة المساكين والمستضعفين والتفطن لأحوالهم والصدقة عليهم وتخفيف ما يجدونه من ضيق وشدة وهمّ وحزن وجعل الجزاء من جنس العمل في ذلك. ففي الحديث «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» «٤» ، ونهى الله نبيه صلّى الله عليه وسلّم عن طرد المستضعفين من مجلسه وأمره بالصبر معهم في قوله وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ «٥» ، ولما رأى بعض الصحابة- رضوان الله عليهم- أن له فضلا على من دونه قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم» «٦» ، وكل هذه الخصال من شعائر الإسلام.

ومما يدل على كمال الإسلام واشتماله على كل مصلحة وخير ونفع للأفراد والجماعات، أن الشرع الشريف حث على الشيم والأخلاق النبيلة التي تعترف العقول بمعرفتها وتشهد بحسنها وحسن آثارها وما لها من الأثر الفعال في النفوس مما يوافق مقصد الشريعة، وكما أمر بالتواضع ولين الجانب سيما مع الضعفاء والخاملين والمساكين، ونهى عن ضد ذلك من التكبر والتجبر واحتقار المسلمين وازدرائهم، ومن الإعجاب بالنفس والترفع على الخلق، وفسر الكبر


(١) رواه البخاري برقم (٨/ ٤٩٢١) في تفسير سورة ن والقلم، ومسلم رقم (٢٨٥٣) في صفة الجنة-: باب النار يدخلها الجبارون عن حارثة بن وهب رضي الله عنه.
(٢) كما رواه مسلم في صفة الجنة باب النار يدخلها الجبارون عن أبي سعيد ورواه البخاري ومسلم في الرقاق عن أسامة بن زيد.
(٣) رواه مسلم في البر والصلة- باب فضل الضعفاء عن أبي هريرة.
(٤) رواه البخاري في المظالم باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه ومسلم في البر والصلة والترمذي في الحدود عن ابن عمر.
(٥) سورة الكهف: آية ٢٨.
(٦) رواه البخاري في الجهاد- باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب عن مصعب بن سعد قال: رأى سعد أن له فضلا ... إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>