للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- تعالى ذكره-: يا أيّها الّذين صدّقوا الله ورسوله لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ أي المهزوء منهم خير من الهازئين، وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ أي: ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات عسى المهزوء منهنّ أن يكنّ خيرا من الهازئات) * «١» .

٥-* (وقال الطّبريّ في قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ.. الآية.

« ... إنّ الله عمّ بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميع معاني السّخرية، فلا يحلّ لمؤمن أن يسخر من مؤمن، لا لفقره، ولا لذنب ركبه، ولا لغير ذلك» ) * «٢» .

٦-* (وقال في قوله تعالى.. وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ.. أي: ولا يغتب بعضكم بعضا أيّها المؤمنون، ولا يطعن بعضكم على بعض.

وقال: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ فجعل اللّامز أخاه لامزا نفسه، لأنّ المؤمنين كرجل واحد فيما يلزم بعضهم لبعض من تحسين أمره وطلب صلاحه ومحبّته الخير ولذلك روي الخبر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:

«المؤمنون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالحمّى والسّهر» ) * «٣» .

٧-* (روي عن أنس وعكرمة بن عباس- رضي الله عنهم- أنّ قوله- تعالى- وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ نزلت في صفيّة بنت حييّ بن أخطب، أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أتت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، إنّ النّساء يعيّرنني، ويقلن لي: يا يهوديّة بنت يهوديّين! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هلّا قلت إنّ أبي هارون، وإنّ عمّي موسى، وإنّ زوجي محمّد» فأنزل الله هذه الآية) * «٤» .

٨-* (قال الطّبريّ في قوله تعالى: وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ اختلف أهل التّأويل في الألقاب الّتي نهى الله عن التّنابز بها في هذه الآية: فقال بعضهم: عنى بها الألقاب الّتي يكره النّبز بها الملقّب، وقالوا: إنّما نزلت هذه الآية في قوم كانت لهم أسماء في الجاهليّة، فلمّا أسلموا نهوا أن يدعو بعضهم بعضا بما يكره من أسمائه الّتي كان يدعى بها في الجاهليّة.

وقال آخرون: بل ذلك قول الرّجل المسلم للرّجل المسلم: يا فاسق، يا زاني.

وقال آخرون: بل ذلك تسمية الرّجل الرّجل بالكفر بعد الإسلام، وبالفسوق والأعمال القبيحة بعد التّوبة.. ثمّ قال: والّذي هو أولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصّواب أن يقال: إنّ الله- تعالى ذكره- نهى المؤمنين أن يتنابزوا بالألقاب، والتّنابز بالألقاب هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة، وعمّ الله بنهيه ذلك ولم يخصّص به بعض الألقاب دون بعض، فغير جائز لأحد من المسلمين أن ينبز أخاه


(١) تفسير القرطبي مجلد ١١ ج ٢٦/ ٨٣.
(٢) تفسير الطبري مجلد ١١ ج ٢٦/ ٨٣.
(٣) المرجع نفسه، والصفحة نفسها.
(٤) تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٣٢٦ والبحر المحيط ٨/ ١١٢، وغذاء الألباب/ السفاريني ١/ ١٣٠، ١٣١.