للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا تسأليه شيئا وسليني ما بدا لك، ولا يغرّنّك أن كانت جارتك «١» هي أوسم «٢» وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منك (يريد عائشة) . قال:- وكان لي جار من الأنصار- فكنّا نتناوب النّزول «٣» إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فينزل يوما وأنزل يوما، فيأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك، وكنّا نتحدّث أنّ غسّان تنعل الخيل «٤» لتغزونا. فنزل صاحبي. ثمّ أتاني عشاء فضرب بابي. ثمّ ناداني فخرجت إليه فقال: حدث أمر عظيم. قلت: ماذا؟ أجاءت غسّان؟ قال: لا. بل أعظم من ذلك وأطول. طلّق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم نساءه.

فقلت: قد خابت حفصة وخسرت. قد كنت أظنّ هذا كائنا حتّى إذا صلّيت الصّبح شددت عليّ ثيابي، ثمّ نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي، فقلت:

أطلّقكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقالت: لا أدري. ها هو ذا معتزل في هذه المشربة. فأتيت غلاما له أسود. فقلت:

استأذن لعمر. فدخل ثمّ خرج إليّ فقال: قد ذكرتك له فصمت، فانطلقت حتّى انتهيت إلى المنبر فجلست فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم، فجلست قليلا ثمّ غلبني ما أجد، ثمّ أتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر. فدخل ثمّ خرج إليّ؟ فقال: قد ذكرتك له فصمت. فولّيت مدبرا فإذا الغلام يدعوني. فقال:

ادخل فقد أذن لك. فدخلت فسلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فإذا هو متّكيء على رمل حصير «٥» . قد أثّر في جنبه. فقلت: أطلّقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إليّ وقال: «لا» فقلت: الله أكبر. لو رأيتنا يا رسول الله- وكنّا معشر قريش قوما نغلب النّساء- فلمّا قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلّمن من نسائهم فتغضّبت يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني. فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فو الله إنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليراجعنه، وتهجره إحداهنّ اليوم إلى اللّيل. فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهنّ وخسر. أفتأمن إحداهنّ أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلّى الله عليه وسلّم. فإذا هي قد هلكت؟ فتبسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: يا رسول الله، قد دخلت على حفصة فقلت: لا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوسم منك وأحبّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منك. فتبسّم أخرى فقلت: أستأنس «٦» يا رسول الله؟

قال: «نعم» فجلست. فرفعت رأسي في البيت فو الله ما رأيت فيه شيئا يردّ البصر إلّا أهبا ثلاثة «٧» . فقلت:

ادع الله يا رسول الله أن يوسّع على أمّتك؛ فقد وسّع على فارس والرّوم- وهم لا يعبدون الله- فاستوى جالسا ثمّ قال: «أفي شكّ أنت يابن الخطّاب؟ أولئك


(١) جارتك: أي ضرتك.
(٢) أوسم: أي أحسن وأجمل. والوسامة الجمال.
(٣) فكنا نتناوب النزول: يعني من العوالي الى مهبط الوحي. والتناوب أن تفعل الشيء مرة، ويفعل الآخر مرة أخرى.
(٤) تنعل الخيل: أي يجعلون لخيلوهم نعالا لغزونا. يعني يتهيأون لقتالنا.
(٥) على رمل حصير: هو بفتح الراء وإسكان الميم. يقال: رملت الحصير وأرملته، اذا نسجته. وحصير مرمول أي منسوج.
(٦) أستأنس يا رسول الله: الظاهر من إجابته صلّى الله عليه وسلّم أن الاستئناس، هنا هو الاستئذان في الأنس والمحادثة، ويدل عليه قوله: فجلست.
(٧) أهبا: بحركات جمع إهاب على غير قياس.