للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد أسري به صلّى الله عليه وسلّم ببدنه وروحه يقظة من المسجد الحرام بمكّة المكرّمة إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس بإيلياء في جنح اللّيل، ثمّ عرج به إلى سدرة المنتهى ثمّ إلى حيث شاء الله عزّ وجلّ ورجع مكّة من ليلته.

وأكرم صلّى الله عليه وسلّم في هذه الآية العظيمة بكرامات كثيرة، منها: تكليمه ربّه عزّ وجلّ، وفرض الصّلوات عليه، وما رأى من آيات ربّه الكبرى، وإمامته للأنبياء في بيت المقدس. فدلّ ذلك على أنّه هو الإمام الأعظم والرّئيس المقدّم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين» .

وقد ثبت الإسراء بالقرآن، كما ثبت المعراج بالمتواتر من الحديث، وإليه أشار القرآن. قال الله تعالى سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ «٢» .

وقال تعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى * ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى* فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى * فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى * ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى * أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى * ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى * لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى «٣» .

- وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنّ مالك بن صعصعة حدّثه: أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم حدّثهم عن ليلة أسري به قال: «بينما أنا في الحطيم- وربّما قال في الحجر- مضطجعا، إذ أتاني آت- قال وسمعته يقول: فشقّ ما بين هذه إلى هذه. فقلت للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته- وسمعته يقول من قصّه إلى شعرته فاستخرج قلبي، ثمّ أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا، فغسل قلبي، ثمّ حشي، ثمّ أعيد، ثمّ أتيت بدابّة دون البغل وفوق الحمار أبيض، فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم- يضع خطوه عند أقصى طرفه- فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتّى أتى السّماء الدّنيا فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. ففتح. فلمّا خلصت فإذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم، فسلّم عليه. فسلّمت عليه، فردّ السّلام ثمّ قال: مرحبا بالابن الصّالح والنّبيّ الصّالح. ثمّ صعد بي حتّى أتى السّماء الثّانية فاستفتح، قيل: من هذا؟

قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمّد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به، فنعم المجيء جاء. ففتح. فلمّا خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة. قال: هذا يحيى وعيسى فسلّم عليهما فسلّمت، فردّا، ثمّ قالا: مرحبا بالأخ الصّالح والنّبيّ الصّالح، ثمّ صعد بي إلى السّماء الثّالثة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال:


(١) انظر تفسير ابن كثير (٣/ ٣) بتصرف.
(٢) سورة الإسراء: آية (١) .
(٣) سورة النجم: آية (٣- ١٨) .