للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعد هذه الشّفاعة يكون له ولغيره شفاعات أخرى سنبيّنها- إن شاء الله تعالى- فهذه هي الشّفاعة العظمى وهي الشّفاعة الأولى لنبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، وهي المقام المحمود. قال الحافظ ابن حجر: والمقام المحمود هو الشّفاعة العظمى. الّتي اختصّ بها، وهي إراحة أهل الموقف من أهوال القضاء بينهم، والفراغ من حسابهم «١» .

وقد جاءت الأحاديث النّبويّة مثبتة لهذه الشّفاعة العظمى؛ فمن ذلك:

- عن أبي هريرة- رضي الله عنه-؛ قال: أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلحم. فرفع إليه الذّراع- وكانت تعجبه- فنهش منها نهشة ثمّ قال: أنا سيّد النّاس يوم القيامة، وهل تدرون ممّ ذلك؟ يجمع النّاس- الأوّلين والآخرين- في صعيد واحد- يسمعهم الدّاعي، وينفذهم البصر، وتدنو الشّمس فيبلغ النّاس من الغمّ والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون. فيقول النّاس: ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربّكم؟ فيقول بعض النّاس لبعض: عليكم بآدم فيأتون آدم عليه السّلام فيقولون له: أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنّه نهاني عن الشّجرة فعصيته، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحا فيقولون: يا نوح إنّك أنت أوّل الرّسل إلى أهل الأرض، وقد سمّاك الله عبدا شكورا، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إنّ ربّي عزّ وجلّ قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. وإنّه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبيّ الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وإنّي قد كنت كذبت ثلاث كذبات، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيقولون: يا موسى، أنت رسول الله، فضّلك الله برسالته وبكلامه على النّاس. اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وإنّي قد قتلت نفسا لم أومر بقتلها، نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وكلّمت النّاس في المهد صبيّا، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى صلّى الله عليه وسلّم: إنّ ربّي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. ولم يذكر ذنبا- نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم، فيأتون محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فيقولون: يا محمّد، أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر، اشفع لنا إلى ربّك، ألا ترى


(١) انظر فتح الباري (٣/ ٣٩٨) .