للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاضطّجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكّة فجعلوا يقعون في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأبغضتهم، فتحوّلت إلى شجرة أخرى، وعلّقوا سلاحهم، واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: ياللمهاجرين! قتل ابن زنيم. قال:

فاخترطت سيفي «١» ثمّ شددت «٢» على أولئك الأربعة وهم رقود. فأخذت سلاحهم. فجعلته ضغثا «٣» في يدي. قال: ثمّ قلت: والّذي كرّم وجه محمّد لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي فيه عيناه «٤» . قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: وجاء عمّي عامر برجل من العبلات «٥» يقال له مكرز. يقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على فرس مجفّف «٦» في سبعين من المشركين فنظر إليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه «٧» » . فعفا عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

وأنزل الله: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ (الفتح/ ٢٤) الآية كلّها) * «٨» .

٢٣-* (عن سليم بن عامر رجل من حمير قال: كان بين معاوية، وبين الرّوم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتّى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر، وفاء لا غدر، فنظروا فإذا عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله، فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشدّ عقدة، ولا يحلّها حتّى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء» فرجع معاوية) * «٩» .

٢٤-* (عن نافع أبي غالب قال: كنت في سكّة المربد فمرّت جنازة معها ناس كثير قالوا: جنازة عبد الله ابن عمير، فتبعتها، فإذا أنا برجل عليه كساء رقيق على بريذينته «١٠» على رأسه خرقة تقيه من الشّمس، فقلت: من هذا الدّهقان؟ قالوا: هذا أنس بن مالك، فلمّا وضعت الجنازة، قام أنس فصلّى عليها، وأنا خلفه لا يحول بيني وبينه شيء، فقام عند رأسه، فكبّر أربع تكبيرات، لم يطل ولم يسرع، ثمّ ذهب يقعد.

فقالوا: يا أبا حمزة. المرأة الأنصارية. فقرّبوها وعليها نعش أخضر، فقام عند عجيزتها، فصلّى عليها نحو صلاته على الرّجل. ثمّ جلس، فقال العلاء بن زياد: يا أبا حمزة، هكذا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي على الجنازة


(١) فاخترطت سيفي: أي سللته.
(٢) شددت: حملت وكررت.
(٣) ضغثا: الضغث الحزمة. يريد أنه أخذ سلاحهم وجمع بعضه الى بعض حتى جعله في يده حزمة. قال في المصباح: الأصل في الضغث أن يكون له قضبان يجمعها أصل واحد، ثم كثر حتى استعمل فيما يجمع.
(٤) الذي فيه عيناه: يريد رأسه.
(٥) العبلات: قال الجوهري في الصحاح: العبلات من قريش، وهم أمية الصغرى. والنسبة إليهم عبلي. ترده إلى الواحد.
(٦) مجفف: أي عليه تجفاف. وهو ثوب كالجل يلبسه الفرس ليقيه السلاح. وجمعه تجافيف.
(٧) يكن لهم بدء الفجور وثناه: البدء هو الابتداء. وأما ثناه فمعناه عودة ثانية. قال في النهاية: أي أوله وآخره والثنى الأمر يعاد مرتين.
(٨) مسلم (١٨٠٧) .
(٩) أبو داود (٢٧٥٩) واللفظ له. وقال الألباني (٢/ ٥٢٨) : صحيح.
(١٠) البريذينة: تصغير البرذون، وهو من الخيل ما ليس بعربي ويسمى (الاكديش) .