للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هذه القراءة، وكان يونس يقول: كيف لا يغلّ؟ بلى ويقتل «١» . وقال ابن برّيّ مرجّحا هذه القراءة أيضا:

قلّ أن تجد في كلام العرب: ما كان لفلان أن يضرب، على أن يكون الفعل مبنيّا للمفعول، وإنّما تجده مبنيّا للفاعل، كقولك: ما كان لمؤمن أن يكذب، وما كان لنبيّ أن يخون، وما كان لمحرم أن يلبس، وبهذا (الدّليل اللّغويّ) يعلم صحّة قراءة من قرأ «يغلّ» على إسناد الفعل للفاعل دون المفعول «٢» ، وقال أبو عليّ الفارسيّ: والحجّة لمن قرأ «يغلّ» أنّ ما جاء من التّنزيل من هذا النّحو أسند الفعل فيه إلى الفاعل نحو قوله سبحانه ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ (يوسف/ ٣٨) ، وقوله وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ (آل عمران/

١٤٥) . ولا يكاد يجيء منه نحو «ما كان زيد ليضرب» ، وقد روي أنّ عبد الله بن عبّاس قيل له: إنّ ابن مسعود يقرأ «يغلّ» فقال: بلى والله ويقتل. وعنه أيضا: قد كان النّبيّ يقتل فكيف لا يخوّن. وقد احتجّ للقراءة الثّانية أيضا «يغلّ» بأنّ المعنى إمّا: أن ينسب إلى ذلك أي لا يقال له غللت، وذلك كقولهم: أكفرت فلانا أي نسبته إلى الكفر، كما في قول الشّاعر:

فطائفة قد أكفرتني بحبّكم

أي نسبتني إلى الكفر، قال أبو عليّ: ويجوز أن يكون المعنى: ليس لأحد أن يغلّه فيأخذ من الغنيمة الّتي حازها.. لأنّ المعاصي تعظم بحضرته، فالغلول وإن كان كبيرا فهو بحضرته صلّى الله عليه وسلّم أعظم (إثما) «٣» .

وقال الخليل: رجل مغلّ أي مضبّ على غلّ، والمغلّ أيضا: الخائن. والغلول: خيانة الفيء، ومن ذلك ما جاء في الحديث: «لا إسلال ولا إغلال» أي لا خيانة ولا سرقة «٤» ، قال الجوهريّ:

ويقال: لا رشوة «٥» ، وقال ابن الأثير: الإغلال:

الخيانة أو السّرقة الخفيّة، (فأمّا الإغلال فهو من قولهم أغلّ الرّجل إغلالا إذا خان، قال النّمر بن تولب:

جزى الله عنّا جمرة ابنة تولب ... جزاء مغلّ بالخيانة كاذب) «٦» .

وأمّا الإسلال فهو من قولهم: سلّ البعير وغيره في جوف اللّيل إذا انتزعه من بين الإبل، وأمّا الغلول:

فهو الخيانة في المغنم والسّرقة من الغنيمة قبل


(١) يعني كلام يونس (وهو من أئمة نحاة البصرة) أنّ سبب ترجيحه لهذه القراءة هو ضعف المعنى في القراءة الأخرى لأنه يجوز للسفهاء أن يخوّنوا أنبياءهم بل ويقتلوهم كما حدث مع أنبياء بني إسرائيل.
(٢) لسان العرب «غلل» (٣٢٨٦) ط. دار المعارف.
(٣) الحجة في علل القراءات السبع لأبي علي الفارسي، ت: علي النجدي ناصف، وعبد الفتاح شلبي (٢/ ٣٩٦) ، وقد سبق ليونس تعليل أشبه بهذا، وما ذكره ابن بري راجع أيضا إلى ما ذكره أبو علي، بيد أن أبا علي احتج بأسلوب القرآن وابن بري بكلام العرب، وكلاهما مصيب إن شاء الله.
(٤) كتاب العين (٤/ ٣٤٨) .
(٥) الصحاح (٥/ ١٧٨٤) .
(٦) ما بين القوسين من كلام الجوهري في الصحاح (٥/ ١٧٨٤) .