للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الّتي ليس به، ثمّ قال: «يهلك فيّ رجلان: محبّ مفرط يقرّظني بما ليس فيّ، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني» ) * «١» .

١٥-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قلت للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حسبك من صفيّة كذا وكذا- تعني قصيرة- فقال: «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته» . قالت: وحكيت له إنسانا، فقال: «ما أحبّ أنّي حكيت إنسانا وأنّ لي كذا وكذا» ) * «٢» .

١٦-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وذلك بعدما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه، مسيرنا. حتّى إذا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوه، وقفل، ودنونا من المدينة، وآذن بالرّحيل. فقمت حين آذنوا بالرّحيل. فمشيت حتّى جاوزت الجيش. فلمّا قضيت من شأني أقبلت إلى الرّحل. فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار «٣» قد انقطع. فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرّهط الّذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي. فرحلوه على بعيري الّذي كنت أركب. وهم يحسبون أنّي فيه. قالت: وكانت النّساء إذ ذاك خفافا.

لم يهبّلن «٤» ولم يغشهنّ اللّحم. إنّما يأكلن العلقة «٥» من الطّعام. فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه. وكنت جارية حديثة السّنّ. فبعثوا الجمل وساروا. ووجدت عقدي بعدما استمرّ الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيمّمت منزلي الّذي كنت فيه. وظننت أنّ القوم سيفقدونني فيرجعون إليّ.

فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ، ثمّ الذّكوانيّ، قد عرّس «٦» من وراء الجيش فأدلج «٧» فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان نائم. فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ. فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني. فخمّرت وجهي بجلبابي. وو الله ما يكلّمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه.

حتّى أناخ راحلته. فوطىء على يدها فركبتها. فانطلق يقود بي الرّاحلة. حتّى أتينا الجيش. موغرين في نحر الظّهيرة «٨» . فهلك من هلك في شأني. وكان الّذي تولّى كبره. عبد الله بن أبيّ ابن سلول. فقدمنا المدينة.


(١) أحمد في المسند (١/ ١٦٠) وقال محققه الشيخ أحمد (٢/ ٣٥٤، ٣٥٥) : إسناده حسن.
(٢) أبو داود (٤٨٧٥) واللفظ له، والترمذي (٢٥٠٢- ٢٥٠٣) وقال: حديث صحيح.
(٣) عقدي من جزع ظفار: والعقد نحو القلادة والجزع خرز يماني. وظفار قرية باليمن.
(٤) لم يهبلن: يقال هبله اللحم وأهبله إذا أثقله وكثر لحمه وشحمه.
(٥) العلقة: أي القليل، ويقال لها أيضا: البلغة.
(٦) قد عرس: التعريس النزول آخر الليل في السفر لنوم أو استراحة.
(٧) فأدلج: الإدلاج هو السير آخر الليل.
(٨) موغرين في نحر الظهيرة: الموغر النازل في وقت الوغرة، وهي شدة الحر. ونحر الظهيرة وقت القائلة وشدة الحر.