للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوحي. حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان «١» من العرق، في اليوم الشّاتى، من ثقل القول الّذي أنزل عليه. قالت، فلمّا سرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال: «أبشري يا عائشة أمّا الله فقد برّأك» فقالت لي أمّي: قومي إليه.

فقلت: والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلّا الله. هو الّذي أنزل براءتي. قالت: فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (النور/ ١١) عشر آيات. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات براءتي.

قالت فقال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا. بعد الّذي قال لعائشة. فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى (النور/ ٢٢) إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ.

قال حبّان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك:

هذه أرجى آية في كتاب الله. فقال أبو بكر: والله إنّي لأحبّ أن يغفر الله لي. فرجع إلى مسطح النّفقة الّتي كان ينفق عليه. وقال: لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأل زينب بنت جحش، زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أمري ما علمت؟ أو ما رأيت؟

فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري. والله ما علمت إلّا خيرا. قالت عائشة: وهي الّتي كانت تساميني «٢» من أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. فعصمها الله بالورع وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها «٣» فهلكت فيمن هلك) * «٤» .

١٧-* (عن عتبان بن مالك- رضي الله عنه- وهو ممّن شهد بدرا، قال: كنت أصلّي لقومي بني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت له: إنّي أنكرت بصري وإنّ الوادي الّذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه فوددت أنّك تأتي فتصلّي من بيتي مكانا أتّخذه مصلّى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سأفعل» . فغدا عليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر- رضي الله عنه- بعد ما اشتّد النّهار فاستأذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأذنت له فلم يجلس حتّى قال: «أين تحبّ أن أصلّي من بيتك، فأشرت له إلى المكان الّذي أحبّ أن أصلّي فيه فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكبّر وصففنا وراءه فصلّى ركعتين ثمّ سلّم وسلّمنا حين سلّم فحبسته على خزير «٥» يصنع له، فسمع أهل الدّار أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي، فثاب رجال منهم حتّى كثر الرّجال في البيت، فقال رجل: ما فعل مالك؟ لا أراه. فقال: رجل منهم: ذاك منافق لا يحبّ الله ورسوله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تقل ذاك، ألا تراه قال لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله؟» .


(١) الجمان: الدر. شبهت قطرات عرقه صلّى الله عليه وسلّم بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن.
(٢) تساميني: تفاخرني وتضاهيني بجمالها ومكانها عند النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(٣) وطفقت أختها تحارب لها: أي جعلت تتعصب لها فتحكي ما يقوله أهل الإفك.
(٤) البخاري- الفتح ٧ (٤١٤١) ، مسلم (٢٧٧٠) واللفظ له.
(٥) الخزير: لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير، فإذا نضج ذر عليه دقيق فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة.