للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣- وهذه الفتنة تنشأ تارة من فهم فاسد، وتارة من نقل كاذب، وتارة من حقّ ثابت خفيّ على الرّجل فلم يظفر به، وتارة من غرض فاسد وهوى متّبع، فهي من عمى في البصيرة وفساد في الإرادة.

٤- لا ينجّى من هذه الفتنة إلّا تجريد اتّباع الرّسول، وتحكيمه في دقّ الدّين وجلّه ظاهره وباطنه، عقائده وأعماله، حقائقه وشرائعه فيتلّقى عنه حقائق الإيمان وشرائع الإسلام.

أمّا النّوع الثّاني من الفتنة ففتنة الشّهوات. وقد جمع سبحانه بين ذكر الفتنتين في قوله: كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ (التوبة/ ٦٩) . أي تمتّعوا بنصيبهم من الدّنيا وشهواتها، والخلاق هو النّصيب المقدّر ثمّ قال وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا (التوبة/ ٦٩) فهذا الخوض بالباطل، وهو الشّبهات. فأشار- سبحانه- في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب والأديان من الاستمتاع بالخلاق، والخوض بالباطل، لأنّ فساد الدّين إمّا أن يكون باعتقاد الباطل والتّكلّم به أو بالعمل بخلاف العلم الصّحيح. فالأوّل: هو البدع وما والاها، والثّاني: فسق العمل. فالأوّل: فساد من جهة الشّبهات والثّاني: من جهة الشّهوات ولهذا كان السّلف يقولون «احذروا من النّاس صنفين: صاحب هوى قد فتنة هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه» .

وكانوا يقولون «احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإنّ فتنتهما فتنة لكلّ مفتون» . وأصل كلّ فتنة إنّما هو من تقديم الرّأي على الشّرع، والهوى على العقل.

فالأوّل: أصل فتنة الشّبهة، والثّاني: أصل فتنة الشّهوة ففتنة الشّبهات تدفع باليقين، وفتنة الشّهوات تدفع بالصّبر ولذلك جعل سبحانه إمامة الدّين منوطة بهذين الأمرين، فقال: وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (السجدة/ ٢٤) فدلّ على أنّه بالصّبر واليقين تنال الإمامة في الدّين.

وبكمال العقل والصّبر تدفع فتنة الشّهوة، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشّبهة والله المستعان «١» .

[للاستزادة: انظر صفات: الضلال- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف- الغي والإغواء- انتهاك الحرمات- الكذب- الافتراء- الإفك- التبرج.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الهدى- الإرشاد- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- الإصلاح- الأمانة- تعظيم الحرمات- الحجاب- الاستقامة] .


(١) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (٢/ ١٦٠- ١٦٢) .