للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النّجاشيّ فينا رجلين جلدين، وأن يهدوا للنّجاشيّ هدايا ممّا يستطرف من متاع مكّة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم، فجمعوا له أدما كثيرا، ولم

يتركوا من بطارقته بطريقا إلّا أهدوا له هديّة، ثمّ بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزوميّ وعمرو بن العاص بن وائل السّهميّ، وأمروهما أمرهم، ...

فيه: قالت: ثمّ أرسل إلى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدعاهم، فلمّا جاءهم رسوله اجتمعوا ثمّ قال بعضهم لبعض: ما تقولون للرّجل إذا جئتموه؟

قالوا: نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم كائن في ذلك ما هو كائن، فلمّا جاؤوه- وقد دعا النّجاشيّ أساقفته فنشروا مصاحفهم حوله- سألهم فقال: ما هذا الدّين الّذي فرّقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟

قالت: فكان الّذي كلّمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيّها الملك- كنّا قوما أهل جاهليّة: نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القويّ منّا الضّعيف، فكنّا على ذلك حتّى بعث الله إلينا رسولا منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله، لنوحّده ونعبده ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث. وأداء الأمانة، وصلة الرّحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدّماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزّور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّيام، قال: فعدّد عليه أمور الإسلام- فصدّقناه وآمنّا، واتّبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا، وحرّمنا ما حرّم علينا، وأحللنا ما أحلّ لنا، فعدا علينا قومنا، فعذّبونا وفتنونا عن ديننا، ليردّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحلّ ما كنّا نستحلّ من الخبائث، فلمّا قهرونا وظلمونا وشقّوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيّها الملك. قالت: فقال له النّجاشيّ: هل معك ممّا جاء به عن الله من شيء؟

قالت: فقال له جعفر: نعم. فقال له النّجاشيّ:

فاقرأه عليّ. فقرأ عليه صدرا من كهيعص، فقالت: فبكى والله النّجاشيّ حتّى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتّى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثمّ قال النّجاشيّ: إنّ هذا والله والّذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. انطلقا. فو الله لا أسلمهم إليكم أبدا ولا أكاد، ... الحديث» ) * «١» .


(١) أحمد (١/ ٢٠٢) ، وقال الشيخ أحمد شاكر (٣/ ١٨٠) إسناده صحيح.