للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: فما لبثوا إلّا يسيرا حتّى جاء هلال ابن أميّة. وهو أحد الثّلاثة الّذين تيب عليهم- فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينيه، وسمع بأذنيه، فلم يهيّجه حتّى أصبح فغدا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله إنّي جئت أهلي عشاء فوجدت عندها رجلا فرأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما جاء به، واشتدّ عليه، واجتمعت الأنصار فقالوا: قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة الآن يضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هلال بن أميّة، ويبطل شهادته في المسلمين، فقال هلال: والله إنّي لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا. فقال هلال: يا رسول الله إنّي قد أرى ما اشتدّ عليك ممّا جئت به، والله يعلم إنّي لصادق. والله إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يريد أن يأمر بضربه إذ أنزل الله على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوحي- وكان إذا نزل عليه الوحي عرفوا ذلك في تربّد «١» جلده- يعني فأمسكوا عنه حتّى فرغ من الوحي فنزلت وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ ... الآية فسرّي «٢» عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال أبشر يا هلال؛ فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا فقال هلال: قد كنت أرجو ذاك من ربّي- عزّ وجلّ- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أرسلوا إليها فأرسلوا إليها فجاء ت، فقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهما وذكّرهما، وأخبرهما أنّ عذاب الآخرة أشدّ من عذاب الدّنيا. فقال هلال:

والله يا رسول الله لقد صدقت عليها فقالت: كذب.

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا عنوا بينهما» فقيل لهلال اشهد فشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الصّادقين فلمّا كان في الخامسة قيل: يا هلال اتّق الله فإنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة وإنّ هذه الموجبة الّتي توجب عليك العذاب. فقال والله لا يعذّبني الله عليها كما لم يجلدني عليها، فشهد في الخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثمّ قيل لها اشهدي أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين، فلمّا كانت الخامسة قيل لها: اتّقي الله، فإنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة، وإنّ هذه الموجبة الّتي توجب عليك العذاب. فتلكّأت ساعة ثمّ قالت: والله لا أفضح قومي، فشهدت في الخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين.

ففرّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بينهما، وقضى أنّه لا يدعى ولدها لأب، ولا ترمى هي به، ولا يرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحدّ، وقضى أن لا بيت لها عليه، ولا قوت من أجل أنّهما يتفرّقان من غير طلاق، ولا متوفّى عنها. وقال: إن جاءت به أصيهب «٣» أريسح «٤» حمش «٥» السّاقين فهو لهلال، وإن جاءت به أورق «٦» جعدا «٧» جماليّا «٨» خدلّج «٩» السّاقين سابغ الإليتين فهو للّذي رميت به» فجاءت به أورق جعدا جماليّا


(١) تربد جلده: تغيره إلي الغبرة.
(٢) فسري عن رسول الله: كشف عنه وأزيل ما كان به من التغير.
(٣) أصهيب: هو الذي يعلو لونه صهبه.
(٤) أريسح: تصغير أرسح وهو الذي لا عجز له أوهي صغيرة لا صقة بالظهر.
(٥) حمش الساقين: أي دقيق الساقين.
(٦) أورق: أسمر.
(٧) جعد الشعر: أي ليس سبط الشعر.
(٨) جماليا: الضخم الأعضاء التام الأوصال.
(٩) خدلج الساقين: عظيم الساقين.