للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دينار دينارا ولا درهم درهما، ولكن يوسّع جلده فيوضع كلّ دينار ودرهم على حدته» ) *» .

٤-* (عن زيد بن وهب قال: «مررت بالرّبذة فإذا أنا بأبي ذرّ- رضي الله عنه-. فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشّام فاختلفت أنا ومعاوية في: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ (التوبة/ ٣٤) قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذاك، وكتب إلى عثمان- رضي الله عنه- يشكوني فكتب إليّ عثمان أن اقدم المدينة، فقدمتها، فكثر عليّ النّاس حتّى كأنّهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحّيت فكنت قريبا فذاك الّذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمّروا عليّ حبشيّا لسمعت وأطعت» ) * «٢» .

٥-* (دخل الحسن البصريّ على عبد الله بن الأدهم يعوده في مرضه، فرآه يصوّب بصره في صندوق في بيته ويصعّده، ثمّ قال: أبا سعيد، ما تقول في مائة ألف في هذا الصّندوق، لم أؤدّ منها زكاة، ولم أصل منها رحما؟ قال: ثكلتك أمّك، ولمن كنت تجمعها؟ قال: لروعة الزّمان، وجفوة السّلطان، ومكاثرة العشيرة. ثمّ مات، فشهده الحسن فلمّا فرغ من دفنه. قال: انظروا إلى هذا المسكين، أتاه شيطانه فحذّره روعة زمانه، وجفوة سلطانه، ومكاثرة عشيرته. عمّا رزقه الله إيّاه وغمره فيه، انظروا كيف خرج منها مسلوبا محروبا. ثمّ التفت إلى الوارث فقال: أيّها الوارث لا تخدعنّ كما خدع صويحبك بالأمس، أتاك هذا المال حلالا فلا يكوننّ عليك وبالا، أتاك عفوا صفوا ممّن كان له جموعا منوعا، من باطل جمعه، ومن حقّ منعه، قطع فيه لجج البحار، ومفاوز القفار، لم تكدح فيه بيمين، ولم يعرق لك فيه جبين. إنّ يوم القيامة يوم ذو حسرات، وإنّ من أعظم الحسرات غدا أن ترى مالك في ميزان غيرك، فيالها عثرة لا تقال، وتوبة لا تنال) * «٣» .

٦-* (قال ابن كثير- رحمه الله تعالى- في معنى قوله تعالى: يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (التوبة/ ٣٥) أي يقال لهم هذا الكلام تبكيتا وتقريعا وتهكّما كما في قوله تعالى: ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ* ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (الدخان/ ٤٨- ٤٩) أي هذا بذاك وهذا الّذي كنتم تكنزون لأنفسكم، ولهذا يقال: من أحبّ شيئا وقدّمه على طاعة الله عذّب به، وهؤلاء لمّا كان جمع هذه الأموال آثر عندهم من رضا الله عنهم عذّبوا بها، كما أنّ هذه الأموال لمّا كانت أعزّ الأموال على أربابها كانت أشرّ الأشياء عليهم في الدّار الآخرة فيحمى عليها في نار جهنّم، وناهيك بحرّها


(١) تفسير ابن كثير (٢/ ٣٦٥) .
(٢) البخاري- الفتح ٣ (١٤٠٦) .
(٣) تفسير ابن كثير (٢/ ٣٥١) .