للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نشرب إلّا ما بين يديك فوضع يده في الرّكوة، فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون. فشربنا وتوضّأنا. قلت:

كم كنتم؟ قال: لو كنّا مائة ألف لكفانا. كنّا خمس عشرة مائة «١» .

- ومنها ما رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-؛ أنّه قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحانت صلاة العصر، فالتمس الوضوء فلم يجدوه، فأتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بوضوء فوضع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده في ذلك الإناء فأمر النّاس أن يتوضّئوا منه، فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه، فتوضّأ النّاس حتّى توضّأوا من عند آخرهم» «٢» .

- ومن ذلك ما روى مسلم عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-؛ في حديث طويل. قال الحافظ ابن حجر: وهذه القصّة أبلغ من جميع ما تقدّم لاشتمالها على قلّة الماء وعلى كثرة من استقى منه «٣» .

وإليك أخي القارىء الشّاهد من هذه القصّة الطّويلة:

قال جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما-؛ فأتينا المعسكر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا جابر! ناد بوضوء» فقلت: ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ قال قلت: يا رسول الله! ما وجدت في الرّكب قطرة. وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم الماء، في أشجاب له «٤» ، على حمارة «٥» من جريد. قال فقال لي: «انطلق إلى فلان ابن فلان الأنصاريّ، فانظر هل في أشجابه من شيء؟» قال: فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إلّا قطرة «٦» في عزلاء «٧» ، لو أنّي أفرغه لشربه يابسه «٨» . فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله! إنّي لم أجد فيها إلّا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أنّي أفرغه لشربه يابسه، قال: اذهب فأتني به» فأتيته به، فأخذه بيده فجعل يتكلّم بشيء لا أدري ما هو. ويغمزه بيديه «٩» . ثمّ أعطانيه فقال: «يا جابر! ناد بجفنة» فقلت: يا جفنة الرّكب «١٠» ! فأتيت بها تحمل. فوضعتها بين يديه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده في الجفنة هكذا. فبسطها وفرّق بين أصابعه. ثمّ وضعها في


(١) رواه البخاري. انظر الفتح ٦ (٣٥٧٦) . ورواه مسلم مختصرا برقم (١٨٥٦) .
(٢) رواه البخاري. انظر الفتح ٦ (٣٥٧٣) . ورواه مسلم برقم (٢٢٧٩) .
(٣) انظر الفتح (٦/ ٦٧٨) .
(٤) في أشجاب له: الأشجاب جمع شجب وهو السقاء الذي أخلق وبلى وصار شنا. يقال: شاجب أي يابس. وهو من الشجب الذي هو الهلاك.
(٥) حمارة: هي أعواد تعلق عليها أسقية الماء.
(٦) إلا قطرة: أي يسيرا.
(٧) عزلاء: هي فم القربة.
(٨) لشربه يابسه: معناه أنه قليل جدا، فلقلته، مع شدة يبس باقي الشجب، وهو السقاء لو أفرغته لاشتفه اليابس منه ولم ينزل منه شيء.
(٩) ويغمزه بيديه: أي يعصره.
(١٠) يا جفنة الركب: أي يا صاحب جفنة الركب. فحذف المضاف للعلم بأنه المراد، وأن الجفنة لا تنادى. ومعناه يا صاحب جفنة الركب التي تشبعهم أحضرها. أي من كان عنده جفنة بهذه الصفة، فليحضرها. انظر فيما سبق شرح النووي على صحيح مسلم (١٨/ ١٤٥، ١٤٦) .