للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعلم، فإذا هو على صدر مولاته فعمد إليه فجبّ ذكره، وتركه يتشحّط في دمه، ثمّ أدركته عليه رقّة وندم على ذلك، فعالجه إلى أن برأ من علّته، فأقام الغلام بعدها مدّة يطلب أن يأخذ بثأره من مولاه، ويدبّر عليه أمرا يكون فيه شفاء غليله، وكان لمولاه ابنان أحدهما طفل، والآخر يافع كأنّهما الشّمس والقمر، فغاب الرّجل يوما عن منزله لبعض الأمور، فأخذ الغلام الصّبيّين فصعد بهما على ذروة سطح عال فنصبهما هناك، وجعل يعلّلهما بالمطعم مرّة، وباللّعب أخرى إلى أن دخل مولاه فرفع رأسه فرأى ابنيه في شاهق مع الغلام فقال: ويلك عرّضت ابنيّ للموت.

قال: أجل، والله الّذي لا يحلف العبد بأعظم منه ولئن لم تجبّ ذكرك مثلما جببتني لأرمينّ بهما فقال: الله الله يا ولدي في تربيتي لك، قال: دع هذا عنك، فو الله ما هي إلّا نفسي وإنّي لا أسمح بها في شربة ماء، فجعل يكرّر عليه، ويتضرّع له، وهو لا يقبل ذلك ويذهب الوالد يريد الصّعود إليه فيدلّيهما من ذلك الشّاهق. فقال أبوهما: ويلك، فاصبر حتّى أخرج مدية وأفعل ما أردت، ثمّ أسرع وأخذ مدية فجبّ نفسه وهو يراه، فلمّا رأى الغلام ذلك رمى الصّبيّين من الشّاهق فتقطّعا.

وقال: إنّ جبّك لنفسك ثأري، وقتل أولادك زيادة فيه. فأخذ الغلام وكتب بخبره لموسى الهادي، فكتب موسى لصاحب السّند عمرو الأعجميّ بقتل الغلام.

وقال: ما سمعت بمثل هذا قطّ) * «١» .

٨-* (قيل لبعض الحكماء: ما الجرح الّذي لا يندمل. قال: حاجة الكريم إلى اللّئيم، ثمّ يردّه بغير قضائها. قيل: فما الّذي هو أشدّ منه، قال: وقوف الشّريف بباب الدّنيء ثمّ لا يؤذن له) * «٢» .

٩-* (قال الشّاعر:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللّئيم تمرّدا

ووضع النّدا في موضع السّيف بالعلا ... مضرّ كوضع السّيف في موضع النّدا) * «٣» .

١٠-* (وقال آخر:

أحبّ بنيّتي ووددت أنّي ... دفنت بنيّتي في جوف لحد

ومالي بغضها غرضا ولكن ... مخافة ميتتي فتضيع بعدي

مخافة أن تصير إلى لئيم ... فيفضح والدي ويشين جدّي) * «٤» .


(١) المستطرف (٢/ ٧٩- ٨٠) .
(٢) المرجع السابق (٢/ ١٤٥) .
(٣) المرجع السابق (٢/ ٨٠) .
(٤) المحاسن والمساوىء (٥٦٣) .