للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب الرّاسبيّ، فقال لهم:

ألقوا الرّماح، وسلّوا سيوفكم من جفونها «١» ، فإنّي أخاف أن يناشدوكم «٢» كما ناشدوكم يوم حروراء، فرجعوا فوحّشوا برماحهم «٣» وسلّوا السّيوف، وشجرهم النّاس برماحهم «٤» . قال: وقتل بعضهم على بعض، وما أصيب من النّاس يومئذ إلّا رجلان، فقال عليّ- رضي الله عنه-: التمسوا فيهم المخدج، فالتمسوه فلم يجدوه، فقام عليّ- رضي الله عنه- بنفسه حتّى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض. قال:

أخّروهم، فوجدوه ممّا يلي الأرض. فكبّر. ثمّ قال:

صدق الله، وبلّغ رسوله. قال: فقام إليه عبيدة السّلمانيّ. فقال: يا أمير المؤمنين، والله الّذي لا إله إلّا هو، لسمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟

فقال: إي والله الّذي لا إله إلّا هو، حتّى استحلفه ثلاثا «٥» وهو يحلف له) * «٦» .

٥-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: بعث عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصّل من ترابها، قال: فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرّابع إمّا علقمة، وإمّا عامر بن الطّفيل. فقال رجل من أصحابه: كنّا نحن أحقّ بهذا من هؤلاء قال: فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلّم فقال: «ألا تأمنوني وأنا أمين من في السّماء، يأتيني خبر السّماء صباحا ومساء؟» . قال:

فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كثّ اللّحية، محلوق الرّأس، مشمّر الإزار.

فقال: يا رسول الله، اتّق الله. قال: «ويلك أولست أحقّ أهل الأرض أن يتّقي الله؟» قال: ثمّ ولّى الرّجل. قال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال: «لا. لعلّه أن يكون يصلّي» ، فقال خالد:

وكم من مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إنّي لم أومر أن أنقّب قلوب النّاس.

ولا أشقّ بطونهم» قال: ثمّ نظر إليه وهو مقفّ فقال:

«إنّه يخرج من ضئضىء هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة» وأظنّه قال: لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل ثمود» ) * «٧» .

٦-* (عن سليمان بن يسار قال: تفرّق النّاس


(١) وسلوا سيوفكم من جفونها: أي أخرجوها من أغمادها، جمع جفن وهو الغمد.
(٢) فإني أخاف أن يناشدوكم: يقال: نشدتك الله وناشدتك الله أي سألتك بالله وأقسمت عليك.
(٣) فوحشوا برماحهم: أي رموا بها عن بعد منهم، ودخلوا فيهم بالسيوف حتى لا يجدوا فرصة.
(٤) وشجرهم الناس برماحهم: أي مدوها إليهم وطاعنوهم بها، ومنه التشاجر في الخصومة، وسمي الشجر شجرا لتداخل أغصانه، والمراد بالناس أصحاب علي.
(٥) حتى استحلفه ثلاثا: قال الإمام النووي: وإنما استحلفه ليسمع الحاضرين ويؤكد ذلك عندهم ويظهر لهم المعجزة التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلّم ويظهر لهم أن عليا وأصحابه أولى الطائفتين بالحق، وأنهم محقون في قتالهم.
(٦) مسلم (١٠٦٦) ، وقد أورده البخاري مختصرا (٨/ ٥٠٥٨) من رواية أبي سعيد.
(٧) البخاري. الفتح ٧ (٤٣٥١) واللفظ له، ومسلم (١٠٦٤) .