وشرّ سلاح المرء دمع يريقه ... إذا الحرب شبّت نارها بالصّوارم
فإيها بني الإسلام إنّ وراءكم ... وقائع يلحقن الذّرى بالمناسم
وكيف تنام العين ملء جفونها ... على هفوات أيقظت كلّ نائم
وإخوانكم بالشّام يضحي مقيلهم ... ظهور المذاكي أو بطون القشاعم
تسومهم الرّوم الهوان وأنتم ... تجرّون ذيل الخفض فعل المسالم
ومنها قوله:
وبين اختلاس الطّعن والضّرب وقفة ... تظلّ لها الولدان شيب القوادم
وتلك حروب من يغب عن غمارها ... ليسلم يقرع بعدها سنّ نادم
سللن بأيدي المشركين قواضبا ... ستغمد منهم في الكلى والجماجم
يكاد لهنّ المستجير بطيبة ... ينادي بأعلى الصّوت يا آل هاشم
أرى أمّتي لا يشرعون إلى العدا ... رماحهم والدّين واهي الدّعائم
ويجتنبون النّار خوفا من الرّدى ... ولا يحسبون العار ضربة لازم
أيرضى صناديد الأعاريب بالأذى ... ويغضي على ذلّ كماة الأعاجم
فليتهمو إذ لم يذودوا حميّة ... عن الدّين ضنّوا غيرة بالمحارم
وإن زهدوا في الأجر إذ حمي الوغى ... فهلّا أتوه رغبة في المغانم) * «١» .
٣-* (ثمّ دخلت سنة ستّ وخمسين وستّمائة.
فيها أخذت التّتار بغداد وقتلوا أكثر أهلها حتّى الخليفة، وانقضت دولة بني العبّاس منها.
استهلّت هذه السّنة وجنود التّتار قد نازلت بغداد صحبة الأميرين اللّذين على مقدّمة عساكر سلطان التّتار، هولاكو خان، وجاءت إليهم أمدد صاحب الموصل يساعدونهم على البغاددة وميرته وهداياه وتحفه، وكلّ ذلك خوفا على نفسه من التّتار، ومصانعة لهم- قبّحهم الله تعالى-، وقد سترت بغداد ونصبت المجانيق والعرّادات وغيرها من آلات الممانعة الّتي لا تردّ من قدر الله- سبحانه وتعالى- شيئا، كما ورد في الأثر (لن يغني حذر عن قدر) ، وكما قال تعالى:
إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ (نوح/ ٤) ، وقال تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (الرعد/ ١١) ، وأحاطت التّتار بدار الخلافة يرشقونها بالنّبال من كلّ جانب حتّى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه، وكانت من جملة حظاياه، وكانت مولّدة تسمّى عرفة، جاءها سهم من بعض الشّبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة، فانزعج الخليفة من ذلك وفزع فزعا شديدا،
(١) البداية والنهاية (١٢/ ١٥٦- ١٥٧) . وانظر بصائر ذوي التمييز (٥/ ٢٨٧) .