لا يقبل الله تعالى سواه، وهو الذي بعث الله به الأوّلين والآخرين من الرّسل، وأنزل به جميع الكتب، واتّفق عليه أئمّة أهل الإيمان وهذا هو خلاصة الدّعوة النّبويّة، وهو قطب القرآن الّذي تدور عليه رحاه «١» .
بناء على ما سبق فإنّ الإخلاص هو تصفية السّرّ والقلب والعمل، والخالص هو الّذي لا باعث له إلّا طلب الحقّ، والإخلاص لا يكون إلّا بعد الدّخول في العمل، والإخلاص لله؛ هو أن لا يفعل المخلص فعلا إلّا لله تعالى.
الثّانية: من جهة معناه وشروطه كموقف يلتزم به الإنسان في حياته.
الإخلاص ينقسم بحسب ما يظهر من العبد، يمكن أن يشمل كلّ فعل الإنسان، ولذا يقال: إنّ الإخلاص أربعة أقسام: إخلاص في الأقوال، وإخلاص في الأفعال، وإخلاص في الأعمال أي العبادات، وإخلاص في الأحوال أي إلهامات القلب وواردات الغيب. والدّين شامل لكلّ هذا، وباعتبار أنّ الإخلاص التزام حيويّ أكثر ممّا هو تصوّر نظريّ، فإنّ موقف الإخلاص يستلزم عدّة أمور، وهي:
١- الاستمراريّة: حيث إنّ حياة الإنسان عبارة عن تواصل واستمرار، ومواقف الحياة مستمرّة ومتكاملة، ولذا لا ينبغي أن يتفكّك الإخلاص أو يتبعثر، لأنّه لا يتعلّق بالموقف المعاصر فقط، ولا بالماضي فقط، ولا بالمستقبل فقط، وإنّما هو موقف مستمرّ، ومن ثمّ كانت الاستمراريّة صفة أساسيّة في الإخلاص.
٢- التّكامل: بمعنى انضواء الشّخص بجميع مكوّناته في أهداف وجوده المستمدّة من الإطار الإسلاميّ للحياة، حتّى يتمكّن من بلوغ أكمل درجة ممكنة من صياغة الذّات بطريقة متكاملة، وذلك عبر محبّة قويّة لله وللحقّ والحقيقة، وللآخرين المخلصين، هذا إلى جانب التّكامل بين النّيّة والفعل.
٣- العلم: حيث إنّ الإخلاص يستلزم وعي الإنسان بوجوده في إطار التّعاليم الإسلاميّة، وهذا الوعي لا يمكن أن يتمّ بغير معرفة، لأنّه لا يمكن أن يتأتّى عن جهل، وجهل الإنسان لا يمكن أن يؤدّي إلى إخلاص حقيقيّ، ومن ثمّ كان العلم شرطا ضروريّا لتحقيق الإخلاص، هذا إلى جانب ضرورة العلم بما يحقّق الإخلاص.
٤- التدرّج: باعتبار أنّ الإخلاص جهد بشريّ من أجل الوصول إلى كمال الإنسان بوصوله إلى حقيقة العبوديّة والتّحقّق بها، ولذا فإنّ الإنسان يتعثّر وينهض مرارا وتكرارا، بهدف بلوغ المرتبة العالية، إنّ التّجربة صعبة في مواقف حياة الإنسان، ولذا فهو يحتاج إلى التّدرّج، وهذا شرط لكمال الإخلاص.
٥- الأمانة: باعتبارها رعاية لحقّ الله تعالى، وأداء للفرائض والواجبات، وهذا يتطلّب عدم الخيانة وحفظ الحقوق، وهي خير شاهد خارجيّ على الإخلاص، وخاصّة أنّ المنزلقات الّتي يمكن أن تطيح بالأمانة اللّازمة للإخلاص وفيرة، وهذه توفّر
(١) التحفة العراقية في أعمال القلوب (٥٨) .