للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله لا أبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» .

فاستغفر لي. فاستغفر له. فقال له عمر: أين تريد؟.

قال: الكوفة. قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟. قال:

أكون في غبراء النّاس «١» أحبّ إليّ. قال: فلمّا كان من العام المقبل حجّ رجل من أشرافهم. فوافق عمر فسأله عن أويس. قال: تركته رثّ البيت»

قليل المتاع. قال:

سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد ثمّ من قرن. كان به برص فبرأ منه. إلّا موضع درهم. له والدة هو بها برّ. لو أقسم على الله لأبرّه. فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل» . فأتى أويسا فقال: استغفر لي. قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح. فاستغفر لي. قال:

استغفر لي. قال: أنت أحدث عهدا بسفر صالح.

فاستغفر لي. قال: لقيت عمر؟ قال: نعم. فاستغفر له. ففطن له النّاس. فانطلق على وجهه. قال أسير:

وكسوته بردة. فكان كلّما رآه إنسان قال: من أين لأويس هذه البردة؟) * «٣» .

٢٩-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأنّ بعضهم وجد «٤» في نفسه، فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنّه من حيث علمتم.

فدعا ذات يوم فأدخله معهم فما رأيت أنّه دعاني يومئذ إلّا ليريهم. قال: ما تقولون في قول الله تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فقال بعضهم: أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا. فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عبّاس؟

فقلت: لا، قال: فما تقول؟. قلت: هو أجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعلمه له، قال: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وذلك علامة أجلك. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً. فقال عمر: ما أعلم منها إلّا ما تقول) * «٥» .

٣٠-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنّه قال: كأنّي أنظر إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يحكي نبيّا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدّم عن وجهه ويقول: «اللهمّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون» ) * «٦» .

٣١-* (قال كعب بن مالك- رضي الله عنه-: لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ. إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر. ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه، إنّما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون يريدون عير قريش حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم، على غير ميعاد. ولقد شهدت


(١) غبراء الناس: أي ضعافهم وصعاليكهم وأخلاطهم الذين لا يؤبه لهم.
(٢) رث البيت: هو بمعنى قليل المتاع. والرثاثة والبذاذة بمعنى واحد وهو حقارة المتاع وضيق العيش.
(٣) مسلم (٢٥٤٢) .
(٤) وجد: أي غضب.
(٥) البخاري- الفتح ٨ (٤٩٧٠) .
(٦) البخاري- الفتح ٦ (٣٤٧٧) واللفظ له، مسلم ٣ (١٧٩٢) .