للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه. قال:

فحلبت فيه حتّى علته رغوة «١» فجئت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: أشربتم شرابكم اللّيلة؟ قال: قلت يا رسول الله، اشرب. فشرب ثمّ ناولني، فقلت:

يا رسول الله، اشرب. فشرب ثمّ ناولني، فلمّا عرفت «٢» أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد روي وأصبت دعوته ضحكت حتّى ألقيت إلى الأرض. قال: فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إحدى سوآتك «٣» يا مقداد» فقلت: يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا وفعلت كذا. فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما هذه إلّا رحمة من الله «٤» ، أفلا كنت آذنتني فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها» ، قال: فقلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها، وأصبتها معك من أصابها من النّاس» ) * «٥» .

٥٣-* (عن عمير مولى ابن عبّاس قال:

أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصّمّة الأنصاريّ، فقال أبو الجهيم: أقبل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلّم عليه فلم يردّ عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتّى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه، ثمّ ردّ عليه السّلام) * «٦» .

٥٤-* (عن أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ركب حمارا، عليه إكاف «٧» ، تحته قطيفة «٨» فدكيّة «٩» . وأردف وراءه أسامة، وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج. وذاك قبل وقعة بدر، حتّى مرّ بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود، فيهم عبد الله بن أبيّ. وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلمّا غشيت المجلس عجاجة الدّابّة «١٠» ، خمّر «١١» عبد الله بن أبيّ أنفه بردائه. ثمّ قال: لا تغبّروا علينا «١٢» . فسلّم عليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ وقف فنزل. فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن. فقال عبد الله بن أبيّ: أيّها المرء لا أحسن من هذا «١٣» إن كان ما تقول حقّا، فلا تؤذنا في


(١) رغوة: هي زبد اللبن الذي يعلوه. وهي بفتح الراء وضمها وكسرها، ثلاث لغات مشهورات. ورغاوة بكسر الراء، وحكى ضمها. ورغاية بالضم، وحكي بالكسر. وارتغيت شربت الرغوة.
(٢) فلما عرفت ... إلخ: معناه أنه كان عنده حزن شديد خوفا من أن يدعو عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم، لكونه أذهب نصيب النبي صلّى الله عليه وسلّم وتعرض لأذاه. فلما علم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد روي وأجيبت دعوته فرح وضحك حتى سقط إلى الأرض من كثرة ضحكه، لذهاب ما كان به من الحزن، وانقلابه: سرورا بشرب النبي صلّى الله عليه وسلّم وإجابة دعوته لمن أطعمه وسقاه، وجريان ذلك على يد المقداد وظهور هذه المعجزة.
(٣) إحدى سوءاتك: أي أنك فعلت سوأة من الفعلات فما هي.
(٤) ما هذه إلا رحمة من الله: أي إحداث هذا اللبن في غير وقته وخلاف عادته، وإن كان الجميع من فضل الله.
(٥) مسلم (٢٠٥٥) .
(٦) البخاري- الفتح ١ (٣٣٧) واللفظ له، ومسلم (٣٦٩)
(٧) إكاف: هو للحمار بمنزلة السرج للفرس.
(٨) قطيفة: دثار مخمل جمعها قطائف وقطف.
(٩) فدكية: منسوبة الى فدك. بلدة معروفة على مرحلتين أو ثلاث من المدينة.
(١٠) عجاجة الدابة: هو ما ارتفع من غبار حوافرها.
(١١) خمر أنفه: أي غطاه.
(١٢) لا تغبروا علينا: أي لا تثيروا علينا الغبار.
(١٣) لا أحسن من هذا: هكذا هو في جميع نسخ بلادنا: لا أحسن. أي ليس شيء أحسن من هذا. وكذا حكاه القاضي عن جماهير رواة مسلم. قال: وقع للقاضي أبي علي: لأحسن من هذا. قال القاضي: وهو عندي أظهر. وتقديره أحسن من هذا أن تقعد في بيتك.