للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٧-* (عن عبد الرحمن بن شماسة قال: دخلت على عائشة، فقالت: ممّن أنت؟ قلت: من أهل مصر، قالت: كيف وجدتم ابن حديج «١» في غزاتكم هذه؟

قلت: خير أمير، ما يقف لرجل منّا فرس ولا بعير إلّا أبدله مكانه بعيرا، ولا غلام إلّا أبدل مكانه غلاما، قالت: إنّه لا يمنعني قتله أخي أن أحدّثكم ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إنّي سمعته يقول: اللهمّ من ولي من أمر أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به، ومن شقّ عليهم فاشقق عليه) * «٢» .

٨-* (عن ابن أبي زائدة قال: سمعت عامرا يقول: تزوّج عليّ (بن أبي طالب) - رضي الله عنه- أسماء بنت عميس، فتفاخر ابناها: محمّد بن أبي بكر، ومحمّد بن جعفر (الطّيّار) ، فقال كلّ منهما أنا أكرم منك وأبي خير من أبيك. فقال لها عليّ كرّم- الله وجهه- اقض بينهما. قالت- رضي الله عنها- ما رأيت شابّا من العرب خيرا من جعفر، ولا رأيت كهلا خيرا من أبي بكر. فقال عليّ: ما تركت لنا شيئا، ولو قلت غير الّذي قلت لمقتّك. قالت: إنّ ثلاثة أنت أخسّهم خيار) * «٣» .

٩-* (عن عروة بن الزّبير أنّه سأل عائشة عن قول الله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ... (النساء/ ٣) قالت: يا ابن أختي، هي اليتيمة تكون في حجر وليّها تشاركه في ماله، فيعجبه مالها وجمالها، فيريد وليّها أن يتزوّجها بغير أن يقسط في صداقها «٤» ، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهنّ إلّا أن يقسطوا لهنّ، ويبلغوا بهنّ أعلى سنّتهنّ «٥» من الصّداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النّساء سواهنّ.

قال عروة: قالت عائشة: ثمّ إنّ النّاس استفتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد هذه الآية فيهنّ فأنزل الله- عزّ وجلّ-: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ (النساء/ ١٢٧) .

قالت: والّذي ذكر الله تعالى، أنّه يتلى عليكم في الكتاب، الآية الأولى الّتي قال الله فيها: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ (النساء/ ٣) .

قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى:

وترغبون أن تنكحوهنّ، رغبة أحدكم عن اليتيمة الّتي


(١) ابن حديج هو ابن نعيم الكندي كان عثمانيّا وكان من أخلص أتباع معاوية، وهو قاتل محمّد بن أبي بكر (أخي عائشة) .
(٢) نزهة الفضلاء ١/ ٢١٥، ووجه الانصاف هنا أن عائشة رضي الله عنها أشارت الى أن قاتل أخيها ممن دعا لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأن يرفق الله بهم، ولم تمنعها كراهيته قتل أخيها على يديه من أن تنصفه بذكر بشارة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له.
(٣) نزهة الفضلاء ١/ ١٤٨، ووجه الانصاف هنا أنها أعطت زوجيها الراحلين: أبو بكر الصديق وجعفر بن أبي طالب حقهما أمام زوجها الثالث وهو عليّ كرم الله وجهه- ولم تمنع وفاة كل منهما أن يعطى حقه، وكان من انصاف علي- رضي الله عنهم أجمعين- أن أقرها على ما قالت رغما عن أنها لم تبق له (من المديح) شيئا، كما أنه لم يغضب عند ما ذكرت أنّه أقل الثلاثة رتبة وإن كانوا جميعا من الأخيار.
(٤) يقسط في صداقها: أي يعدل.
(٥) أعلى سنتهن: أي أعلى عادتهن في مهورهن ومهور أمثالهن.