للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَذِلَّةً (النمل/ ٣٤) أهانوا شرفاءها لتستقيم لهم الأمور. فصدّق الله قولها (وكذلك يفعلون) . قال ابن الأنباريّ: قوله تعالى: وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً هذا وقف تامّ. فقال الله عزّ وجلّ تحقيقا لقولها وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ «١» ، قال الشّيخ ابن غازي: فعلى هذا يكون قوله تعالى: وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ من تصديق الله تعالى لقول ملكة سبأ وهي كافرة. وهذا غاية العدل والإنصاف) * «٢» .

٢٧-* (قال القاسميّ في قوله تعالى: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.. الآية. قال:

في الآية بيان وجوب الحكم بالحقّ، وألّا يميل إلى أحد الخصمين لقرابة أو رجاء أو سبب يقتضي الميل) * «٣» .

٢٨-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:

«لم أعقل أبويّ قط إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرفي النّهار: بكرة وعشيّة. فلمّا ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة حتّى بلغ برك الغماد. لقيه ابن الدّغنّة وهو سيّد القارة. فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربّي. قال ابن الدّغنّة: فإنّ مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج، إنّك تكسب المعدوم، وتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ، فأنا جار. إرجع واعبد ربّك ببلدك. فرجع، وارتحل معه ابن الدّغنّة، فطاف ابن الدّغنّة عشيّة في أشراف قريش فقال لهم: إنّ أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرّحم، ويحمل الكلّ، ويقري الضّيف، ويعين على نوائب الحقّ؟ فلم تكذّب قريش بجوار ابن الدّغنّة) * «٤» .

٢٩-* (قال الذّهبي: كان زياد معظّما للأحنف، فلمّا ولّي بعده ابنه عبيد الله تغيّر أمر الأحنف، وقدّم عليه من هو دونه، ثمّ وفد على معاوية في الأشراف، فقال لعبيد الله: أدخلهم عليّ على قدر مراتبهم. فأخّر الأحنف، فلمّا رآه معاوية أكرمه لمكان سيادته، وقال: إليّ يا أبا بحر، وأجلسه معه وأعرض عنهم، فأخذوا في شكر عبيد الله بن زياد، وسكت الأحنف، فقال له: لم لا تتكلّم؟ قال: إن تكلّمت خالفتهم. قال: اشهدوا أنّي قد عزلت عبيد الله. فلمّا خرجوا كان فيهم من يروم الإمارة. ثمّ أتوا معاوية بعد ثلاث، وذكر كلّ واحد شخصا، وتنازعوا، فقال معاوية: ما تقول يا أبا بحر؟ قال: إن ولّيت أحدا من أهل بيتك لم تجد مثل عبيد الله. فقال: قد أعدته. قال:

فخلا معاوية بعبيد الله، وقال: كيف ضيّعت مثل هذا الرّجل الّذي عزلك وأعادك وهو ساكت!؟. فلمّا رجع


(١) تفسير القرطبي (١٣/ ١٧٤) .
(٢) الإنصاف (١٨) .
(٣) محاسن التأويل (١٤/ ٥٠٩٥) بواسطة الإنصاف (٢٢) .
(٤) وجه الإنصاف هنا أن ابن الدّغنّة وهو كافر قد أنصف أبا بكر وأقرته قريش على هذا الإنصاف مما يدل على أن التحلي بالإنصاف من الأمور التي يقرها الطبع السليم، وانظر في هذا الوجه من الإنصاف كتاب «الإنصاف» لأبي الحسن ساعد بن عمر بن غازي (٤٩) .