للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحتّى كشر «١» فضحك، وكان من أحسن النّاس ثغرا، ثمّ نزل نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم ونزلت. فنزلت أتشبّث «٢» بالجذع ونزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كأنّما يمشي على الأرض ما يمسّه بيده. فقلت: يا رسول الله! إنّما كنت في الغرفة تسعة وعشرين. قال: «إنّ الشّهر يكون تسعا وعشرين» . فقمت على باب المسجد، فناديت بأعلى صوتي: لم يطلّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نساءه. ونزلت هذه الاية: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (النساء/ ٨٣) . فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر. وأنزل الله- عزّ وجلّ- آية التّخيير) * «٣» .

٢١-* (عن جرير بن عبد الله البجليّ- رضي الله عنه- أنّه قال: ما حجبني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منذ أسلمت، ولا رآني إلّا تبسّم في وجهي ولقد شكوت إليه أنّي لا أثبت على الخيل. فضرب بيده في صدري وقال: اللهمّ ثبّته واجعله هاديا مهديّا) * «٤» .

٢٢-* (عن عديّ بن حاتم- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس في المسجد فقال القوم: هذا عديّ بن حاتم وجئت بغير أمان ولا كتاب.

فلمّا دفعت إليه أخذ بيدي، وقد كان قال قبل ذلك «إنّي لأرجو أن يجعل الله يده في يدي» قال: فقام فلقيته امرأة وصبيّ معها فقالا: إنّ لنا إليك حاجة. فقام معهما حتّى قضى حاجتهما، ثمّ أخذ بيدي حتّى أتى بي داره، فألقت له الوليدة وسادة فجلس عليها، وجلست بين يديه، (فحمد الله وأثنى عليه) ، ثمّ قال: «ما يفرّك «٥» أن تقول لا إله إلّا الله. فهل تعلم من إله سوى الله؟» قال:

قلت لا، قال: ثمّ تكلّم ساعة ثمّ قال: «إنّما تفرّ أن تقول الله أكبر، أو تعلم أنّ شيئا أكبر من الله؟» قال:

قلت لا، قال «فإنّ اليهود مغضوب عليهم وإنّ النّصارى ضلّال» . قال: قلت: فإنّي جئت مسلما، قال:

فرأيت وجهه تبسّط فرحا. قال: ثمّ أمر بي فأنزلت عند رجل من الأنصار جعلت أغشاه آتيه طرفي النّهار، قال فبينا أنا عنده عشيّة إذ جاءه قوم في ثياب من الصّوف من هذه النّمار «٦» قال: فصلّى وقام فحثّ عليهم ثمّ قال:

ولو صاع ولو بنصف صاع ولو بقبضة ولو ببعض قبضة يقي أحدكم وجهه حرّ جهنّم أو النّار ولو بتمرة ولو بشقّ تمرة، فإنّ أحدكم لاقي الله وقائل له ما أقول لكم: ألم أجعل لك سمعا وبصرا؟ فيقول: بلى، فيقول:

ألم أجعل لك مالا وولدا؟ فيقول: بلى. فيقول: أين ما قدّمت لنفسك؟ فينظر قدّامه وبعده، وعن يمينه وعن شماله، ثمّ لا يجد شيئا يقي به وجهه حرّ جهنّم. ليق أحدكم وجهه النّار ولو بشقّ تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيّبة فإنّي لا أخاف عليكم الفاقة، فإنّ الله ناصركم


(١) كشر: أبدى أسنانه تبسما ويقال أيضا في الغضب.
(٢) أتشبث: أستمسك.
(٣) البخاري- الفتح ٩ (٥١٩١) . ومسلم (١٤٧٩) .
(٤) البخاري- الفتح ٦ (٣٠٣٥، ٣٠٣٦) . ومسلم (٢٤٧٥) .
(٥) ما يفرك: في الأصل: ما يفرّك بضم الياء وفتح الفاء وهو خطأ. والصواب: كسر الفاء. ما يفرّك أي يحملك على الفرار.
(٦) النمار: كل شملة مخططة من مآزر الأعراب كأنها أخذت من لون النمر لما فيها من السواد والبياض.